في يومهم، تحية تقدير لهم
جميلة شحادة | فلسطين
يصادف اليومَ، الثالث من ديسمبر/كانون الأول، “اليوم العالمي” لذوي الاحتياجات الخاصة”. حيث يحتفل العالم في هذا التاريخ من كل عام بذوي الاحتياجات الخاصة بهدف تسليط الضوء على قضايا هذه الفئة من فئات المجتمع.
مصطلح “ذوي الاحتياجات الخاصة”، هو مصطلح مثير للجدل، فهناك مَن يرفضه ويطالب بإطلاق مصطلح “ذوي التحديات” على هذه الفئة، وهناك من يريد أن يُطلق عليها مصطلح ” أصحاب القدرات المميزة” أو ” المميزون”. وهؤلاء الأخيرون هم في الغالب أشخاص من هذه الفئة، حيث أنهم يروْن في أنفسهم أشخاصًا مع طاقات وقدرات ومواهب قد تفوق في كثير من الأحيان، إن ليس كل الأحيان، تلك التي لدى الأفراد من الفئات الأخرى في المجتمع. على أي حال؛ تبقى هذه المصلحات أفضل بكثير من ذلك المصطلح الذي كان قد استُعمل في الماضي لتعريفهم، حيث أُطلق على هذه الشريحة مصطلح “أشخاص مع إعاقة”، أو “المعوَّقون” (مع أل التعريف)، وبالطبع هذه المسمّيات غير إنسانية، وبخاصةٍ أن الإعاقة في الماضي لم تكن أمرًا مقبولا، وقد اعتبرت عبئًا على المجتمع بكل فئاته، ولا سيما أن طبيعة الحياة وقت ذاك كانت تتطلب القوة البدنية. ولا شكّ أن الكثيرين منّا قد قرأ وعرف عن الحياة العسكرية للمجتمع الروماني وعن قسوتها، والتي بموجبها كانوا يتخلصون من الأفراد الذين يولدون مع إعاقة، وليس مهمًا ماهية هذه الإعاقة، جسدية كانت أم عقلية ونفسية. وإنما المهم بالنسبة لهم هو أن هؤلاء الأفراد الذين يولدون مع إعاقة، هم بنظرهم أفراد عاجزون، ولن يخدموا الدولة، بل سيكونون عبئًا عليها. مع هذا، لا يمكننا أن ننفي أن المجتمعات المدنية اليوم ورغم تحضّرها، ما زال فيها أفراد وفئات يضّطهدون، أو ينبذون، أو يهملون هذه الشريحة. ألم نسمع أو نقرأ عن استغلال البعض جنسيَا لأفراد من هذه الفئة؟! ألم نسمع أو نقرأ عن أب أو أم سجنا ابنة أو ابنًا لهما من ذوي الاحتياجات الخاصة في مكان قصيّ من البيت دون طعام أو شراب لعدة أيام أو أكثر؟! ألم يزل قانون المخصصات التي تُمنح لهم مجحفًا وهاضمًا لحقهم في العيش بكرامة؟! ألم تزل “المنالية” مفقودة في معظم الأماكن والمؤسسات العامة، وبالذات في مجتمعنا العربي؟! ألم نسمع عن أخٍ أو عن عمٍ أو عن أي قريبٍ آخر قد هضم حق أخته أو أخيه أو قريبه وحرمهم حقهم في الميراث فقط لأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة؟! ألم نقرأ ونسمع كل يوم عن معاناة البعض من هذه الشريحة في المصّحات ومؤسسات العلاج النفسي بل واستغلال العاملين والعاملات فيها لهم جنسيًا أو ماديًا وغير ذلك من أنواع الاستغلال؟! ألم نسمع بعض الأفراد في مجتمعاتنا أو حتى في بيوتنا يتفوَّهون بعبارات مثل: ” شو أنت أعمى بتشفش؟ كنّك أطرش يتسمعش؟ كنك مكرسح مش قادر تقوم تمشي…
نحن في العام الواحد والعشرين بعد الألفيْن من القرن الواحد والعشرين، وما زالت المجتمعات والسلطات تهضم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. بالرغم من التغيير الذي طرأ، وللأحسن، تجاه هذه الفئة، فئة “ذوي القدرات الخاصة، والاحتياجات الخاصة”؛ إلا َأن هذا التغيير غير كافٍ، كما أنه قد حدث كمشي السلحفاة في الحقل. وعليه، أرجو من المسؤولين كل في موقعه إحداث التغيير، والمطالبة بتحسين وضع هذه الفئة من المجتمع ماديًا ومعنويًا، ولا أن ننتظر يومًا في السنة لنحتفل بهم ونتذكر أنهم موجودون بيننا.
في هذا اليوم، أوجه تحية إجلال وتقدير لذوي القدرات الخاصة، والاحتياجات الخاصة” وبالذات لهؤلاء الذين تحدّوا نظرة بعض أفراد المجتمع الدونية لهم، وتهميش المسؤولين لقدراتهم المهنية والفكرية والثقافية، واستطاعوا شق طريقهم الوعرة بنجاح مدوٍّ. مثل هؤلاء الأفراد لا يمكن أن نصفهم بالمعوّقين أبدًا، لأن الإعاقة بنظري هي: العنصرية، هي العنف، هي الظلم، هي إقصاء الآخر، هي الجهل، هي التستر وراء الدين، هي قطع الأخ وابنه صلته بأخته وعمه وعمته وخالته، هي غياب الضمير من النفس البشرية … هي، كل عاهاتنا المجتمعية.