من ” السح الدح إمبو ” إلى ” المهرجانات ” .. يا أذني لا تسمعي!!

 د. هبة العطار – أستاذة إعلام وكاتبة حرة

 كان قرار النقيب للمهن الموسيقية الفنان هانى شاكر بمنع 19 اسمًا من المغنيين الشعبيين وسحب تصاريحهم السنوية للغناء قرار صائبا محاولا به رأب الصدع الذيأصاب المستوى الفنى الذى وصل إليه شكل الأغنية الشعبية فى مصر مؤخرا وكم الاسفاف بطغيان موجة المهرجانات بما تحمله من انهيار تام فى منظومة وعناصر الأعنية بداية بالكلمات الهابطة والألحان المزعجة الصاخبة والحناجر المنفرة للسمع… وإن كنا ضد زحف  تيار ما   على الفن الشعبى  المصرى  فليس معنى ذلك اننا ضد الأغنية الشعبية  إذ تحتوى الموسيقى والغناء الشعبى المصرى  العديد من الأشكال وهى بمثابة صورة صوتية صادقة  لشخصية تميز أى شعب عن غيره من المجتمعات  فى قوالب غنائية  عديدة  مثل  السيير، الموال، المديح ، الهزيج ، أغانى العمال، الإبتهالات ، أغانى العرس  و انشق من هذا القوالب عدة قوالب والتى انتشرت فى الموسيقى الشعبية المصرية فى عصرها الذهبى كالطقطوقة،  والقصيدة، والموشحات،  وقد أجمع النقاد بأن بداية الإنهيار للأغنية الشعبية فى مصر  كان منذ ما يفوق ال 40 عاما فى أوائل السبعينات من القرن الماضى  وخطى خطى اول إنهيار للأغنية الشعبية المطرب أحمد عدوية  1973 بأغنيته الشهيرة ” سلامتها أم حسن ” ” والسح إدح إمبو ” ومرورا بالسنوات وتيار  التتريين الجدد من مطربي المهرجانات الشعبية الهزلية  ممن لا يملك بعضهم أقل الامكانيات للغناء حتى  فى الغرف المغلقة منفردين ، كان لابد من منع صارم لهذا العبث  وحجبه عن الجمهور للحفاظ على الذوق العام ومحاولة للارتقاء به بأعمال فنية لها قيمة ومعنى وهدف..  وإن كنا كجمهور من المستمعين لا نفرض وصايتنا على حرية الاختيار وحرية التعرض ولكن علينا ايضا بتصعيد الامر الذي تفشى بشكل مفزع ليس فقط بمنع هؤلاء من الغناء بل بمنع ترويج تلك الفوضى السمعية فى الأفراح والاحتفالات ووسائل المواصلات وفى افتتاح المحال … الخ وقصره على الاستخدام الشخصى وتلك حرية لكنها مقننة على التعرض داخل البيوت بدون ذيوع وضرر عام وإيذاء الغير …

كيف أظل أسمع مهرجانات فوق الست ساعات لمجرد أنه يتم افتتاح محل تجارى بجوار منزلى بمكبرات صوت وان كان المنع كان سابقا بتهمة إزعاج الغير والآن الخطأ مضاعف بإزعاج مسف ومخل بالذوق والآداب العامه ربما بما تحمله بعض الأغنيات من إيحاءات لفظية خادشة للحياء أحيانا .. ويا للمأساة لو قررت يوما أن أركب تاكسي رحمة باعصابي من قيادة السيارة بالشوارع المزدحمة وهمجية التعامل  فى حركة المرور أجد هجوم المهرجانات فى كل تاكسي استقله  وحين  أبدى امتعاضي وطلب تغيير الأغنية غالبا ما يتم  تجاهل  طلبى وكأننى   أحدث نفسى وإن سأت أحدهم ”  إنت عاجبك اللى بتسمعه ده؟!”  يرد”أيوه طبعا ” وهناك من يكون رده أن أغاني المهرجانات تحدث لهم حالة من الفوقان وعدم النوم أثناء القيادة نظرا لعدد الساعات الطويلة في العمل.. والعجيب ان الأطفال بدأ دخول فيروس المهرجانات لذوقهم البكر يرددونها ويتفاعلون مع صخبها المفتعل بالرقص الهيستيري .. حالة من الاجتياح للثقافة السمعية للأجيال الصغيرة وتلوث سمعي لا يمكن بأي حال الاستمرار فيه.

لابد من وقفه قوية ومن تكاتف الجهود لمنع تشوه اذواقنا بالتعود.. وعلى وسائل الإعلام ان تؤدى دورها فى مجابهة هذا الانحراف الفنى وعدم تسليط الضوء على مثل هؤلاء ممن لا يتملكون تماما أدنى درجات الموهبة وجعلهم نجوما من خلال لقاءات وموضوعات صحفية إلخ.. وقد فجر ” مهرجان شيماء” الاخير ولقاء احد المذيعين حقيقة ما وصل إليه مستوى الفراغ الإعلامى وهبوط مستوى المعالجات وصناعة المحتوى والإعداد وتعبئة البرامج بما يضر ولا يفيد ببعض القنوات وتدهور ملحوظ فى الأداء المهنى بشكل عام لممارسي الإعلام مؤخرا.

وعامة فلكل قانون مظلوميه إذ لا توجد قوانين وضعية استطاعت تحقيق العدل والإنصاف للجميع إلا قوانين رب العالمين… ولا تاخذنا الشفقه والأحكام العاطفية نحو قرارات نقابة الموسيقيين بعيدا عن المصلحة العامة حيث أكد النقيب أنه ليس هناك منعا باتا إلا من هو ليس عضوا بالنقابة وغير مصرح له بالعمل لحين تصحيح أوضاعهم بالنقابة واجتياز الاختبارات .. كما صرح أيضا أنه ليس ضد المهرجانات ولكنه ضد الكلمات والأصوات غير الجيدة  وأن القرار الأخير للنقابة يستهدف ( تنقية الأوضاع) ،  الجيد من  هذة الأصوات يستمر مع إعادة تأهيلهم وتديب اصواتهم والإرتقاء بمستواهم بشكل لائق  دون الضرر بجمهور المستمعين فلن نظل ضحايا البلطجة على أذواقنا والشخبطة فى مجالنا السمعى بما يهدد الإستقرار الحسى ومن ثم النفسى ، جميعنا ضد قطع ابواب الرزق ولكن مع علاج الخلل وتقويمه وحماية الأجيال القادمة وحواسهم وأذواقهم من طغيان هيستريا الإنفلات العبثى الفوضوى ببيئة المعرفة لمروجى الإنحطاط والرداءة فى الفن بكل أشكاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى