في مواجهة دودة الرداءة: استعادة بريق الثقافة المصرية
بقلم: الكاتب الروائي فرحات جنيدي
في السنوات الأخيرة، تصاعدت موجة من التكريمات الأدبية في مصر التي تثير الحيرة أكثر مما تثير الفخر. يبدو أن دولتنا قد اختارت تكريم أسماء لا يعرفها حتى أعتى المثقفين، ولا ترقى كتاباتهم لأن نمرّ عليها عابرين، ملوّثة بذلك صفحة الثقافة المصرية الناصعة التي لطالما أضاءت العقول وبنت الحضارات. ربما يبدو هذا القول غريبًا للبعض، ولكن هل يمكن أن نجد مبررًا لتكريم أعمال أدبية لا ترتقي حتى لمستوى الهواة؟ أليس في هذا انتهاكٌ صارخٌ لإرثنا الثقافي العريق؟
لنأخذ خطوة إلى الوراء ونتأمل المشهد. كان الأديب المصري الجيد يشبه القطن طويل التيلة، ذاك الذهب الأبيض الذي اشتهرت به مصر. وكما كانت دودة القطن تهدد زراعة هذا المحصول النفيس، فإن “دودة” الأدب الرديء تهدد اليوم زراعة الفكر والإبداع. لا يمكننا إلا أن نتساءل عن منطقية منح الجوائز الأدبية الكبرى لأسماء لم يسمع بها أحد، ولا يعرف لها قيمة أو وزن. إنه لأمر يدعو إلى الاستغراب أن تُرفع الرداءة إلى مصاف الكبار، بينما تُهمل العقول النيرة وتُنسى على رفوف الزمن.
ولكن ليس كل الأخبار سيئة. أجد بارقة أمل فيما تقوم به وزارة الثقافة تحت قيادة الوزيرة نيفين الكيلاني. هذا العام، تكريماتها أثلجت الصدور وأعادت إلينا بعضًا من الثقة في منظومة تكريم تستحق هذا الاسم. كانت الأسماء التي تم تكريمها هذا العام أسماءً نفخر بها كمواطنين مصريين وعرب. لم نجد اسمًا واحدًا نضع أمامه علامة تعجب أو استفهام؛ جميعهم يستحقون بجدارة هذا التكريم، وأعادوا لنا بعضًا من بريق الأمل في مشهد ثقافي ملبد بغيوم الرداءة.
هذا الفرح المختلف ليس فرحة انتصار على الرداءة فحسب، بل فرحة استعادة لمجد قديم يستحق أن يعود. أشكر وزارة الثقافة وكل القائمين على الجائزة الذين عملوا بجد ليعيدوا إليها رونقها. وأتمنى أن تستمر هذه الجهود ليظل الخير في متن الثقافة المصرية، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “الخير في أمتي إلى يوم الدين”.
فلتحيا مصر، ولتحيا وزارة الثقافة، ولتحيا أقلامنا المصرية التي تضيء للعالم بأسره، وليس فقط للوطن العربي. دعونا نستمر في إزالة دود الأدب الرديء، لنحصد دومًا محصولًا من الذهب الأبيض الثقافي الذي نفخر به