مقال

دنيا وعبد الوهاب مطاوع وشاطئ الأحزان!!

هكذا حالي في شهر أغسطس

هشـــــام زكــــي | القاهرة 

السعادة هي أن تحييا مع من تحبهم ويحبونك وألا تحرمك الأقدار منهم ولا من صحبتهم ومحبتهم واهتمامهم بأمرك فالسعادة حقا وصدقا ليست في الثراء ولا في النجاح العملي في الحياة وحدهما وإنما اولا وقبل كل شئ في راحة القلب بين من يحبهم الإنسان اما باقي أهداف الحياة فهي تزيد أو تنقص من هذه السعادة الحقيقية ولكنها أبدا لا تعوض الإنسان عنها إذا افتقدها أو غابت عنه.. فالاحبه هم كل البشر الذين يحبهم الإنسان في الحياة ويأنس بصحبتهم ويفتقدهم إذا غابوا عنه وتنقص بهجة الدنيا الشئ الكثير من حوله إذا حرم منهم ..


هذه كلمات أستاذي ومعلمي الكاتب الكبير الراحل عبد الوهاب مطاوع الذي تمر هذه الأيام الذكري العشرين علي رحيله جف خلالها نهر الحياة وأن كانت ضفتي النهر ستظل باقية بقيمها ومبادئها التي أرساها أستاذي الراحل الذي كان يرد بالحكمة واللين علي الرسائل التي ترد له عبر بريد الأهرام، ولم يقس على صاحب المشكلة فى الرد مهما يكن حجم ما اقترفه من ذنب، بل كان يسعى دائمًا لمساعدة أصحاب المشكلات، وكان يستقبلهم أحيانًا فى مكتبه، أو يوجههم لمن باستطاعته مساعدتهم على حل مشكلاتهم ، ويستخدم أسلوبًا أدبيًا راقيًا فى الرد على الرسائل، التى يختارها للنشر، من آلاف الرسائل، التى تصله أسبوعيًا، فكان أسلوبه يجمع بين العقل والمنطق والحكمة ، ويسوق فى سبيل ذلك الأمثال والحكم والأقوال المأثورة، وكان يتميز برجاحة العقل، وترجيح كفة الأبناء، وإعلاء قيم الأسرة فوق كل شيء آخر،فقد كانت رسائله تجسد مشاكل الناس الحياتية فكانت بمثابة عرض بانورامي لحياة المجتمع المصري بما فيه من القوة والضعف الأحزان والانكسارات الأفراح والأنتصارات وهذا ما جعل كاتبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ يطلق على «بريد الأهرام» اسم نبض مصر، قائلا «من يريد الاطلاع على حال المصريين، يجب أن يتابع هذا البريد..
فالأستاذ أعتاد طول حياته الصحفية أن يفيض الخير علي يديه للآخرين أنهارا وكنت واحدا ضمن آلاف البشر الذين أفاض عليهم بالخير لينفع الله به الناس .. والحقيقة أنني كان لي مع الراحل العظيم ذكريات كثيرة كان فيها الأب والمعلم والناصح والصديق الأمين ولا تكفي صفحات هذا العدد لسردها لأني اتذكرها كأنها حدثت بالأمس القريب وكان آخرها وأكثرها إيلاما لنفسي عندما تلقيت نبأ وفاته “الأستاذ عبد الوهاب تعيش أنت”
هكذا تلقيت من الراحل الأستاذ فاروق المليجي مدير إعلانات مجلة الشباب عبر الهاتف المحمول خبر وفاة الأستاذ وكنت وقتها بفندق شاطئ عايدة بالساحل الشمالي الذي أعتدت الذهاب إليه كل عام في شهر أغسطس لأقضي أجازتي السنوية بصحبة أسرتي وبعض الأصدقاء فقد تلقيت الخبر وأنا جالسا علي شاطئ بحر عايدة الهادئ وفؤجي الجميع ممن حولي بالشخص الذي كان يلهو ويلعب ويتسامر معهم علي الشاطئ منذ لحظات ينقلب حالة إلي صراخ وعويل ويدخل في نوبة من البكاء والحزن الشديد .. مات الأستاذ عبد الوهاب .. كان الخبر صادمًا ربما لم أستوعبه حتى الآن، صحيح هذا قضاء الله وقدره ولا راد له، ولكن نحن بشر وفي صدورنا قلوب، وفي قلوبنا منزلة لأشخاص لا نستوعب غيابهم ولا نتصوره، والأستاذ عبد الوهاب في القلب دومًا وفي ذاكرة الروح لا ينسى.
.. ومن مفارقات القدر وقسوة الأيام أنني عشت نفس صدمه وفاة أستاذي الراحل بعدها بسنوات قليلة في نفس الشهر وتقريبا في نفس المكان وكانت هذه المرة أكثر إيلاما وأشد قسوة فقد كان الراحل هذه المرة أبنتي الكبرى دنيا التي احتفلنا بعيد ميلادها بنفس الفندق في مطلع شهر أغسطس 2015
وفي اليوم التالي لقت مصرعها أثر حادث أليم ومن وقتها كرهت شاطيئ المفضل عايدة والساحل الشمالي ومعهما شهر أغسطس ففيه تنكأ جراحى وإذا بالأحزان تعتصر قلبي لتنفجر معها حصون مقاومتي فتندفع الدموع من عيني وكأنها تجرف أمامها حصون المقاومة التي سدت طريقها وكأنها تحاول أن تجد لها مخرجا .. وفي ذرة انفعالي وبكائي الذي أفرغ به بعض ما في نفسي من أسي ومرارة أتذكر قول الله تعالي (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبا قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
فادعوا معي الله أن يلهمنا الصبر ورددوا دائما دعاء الشاعر المجهول: يارب .. كل من له حبيب متحرمهوش منه .. آمين .. أمين آمين يا رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى