العولمة ومكتسباتها.. مدخل لجمالية الكتابة للأطفال في ظل العولمة
ساهرة رشيد | بغداد
قال أديب الأطفال جاسم محمد صالح: لقد فرضت العولمة نفسها علينا بشكل لا يمكننا الانفكاك منه أبدا فهي توجه عام مدروس ومخطط له ونحن مستهدفون فيه بشكل مباشر وان تنوعت وسائل الاستهداف والتعامل بين ما هو مباشر منها أو غير مباشر , مضيفا : إن هذا التيار القوي الكاسح الذي أحاط بنا من كل جانب ودخل كل مفردات حياتنا اليومية وحتى في خصوصياتنا , سواء أرغبنا أم لم نرغب ؟ , اقبلنا أم لم نقبل, فقد تمدد بشكل أو بآخر في مفاصل وجودنا ومفردات حياتنا اليومية حتى أمسينا كالزورق الذي تتقاذفه أمواج عاتية وهو في وسط اليم لا حول له ولا وقوة .
وأكمل موضحا: ولما كنا من المتصدين لثقافة الطفل ولنا فيه رسالة ومبدأ ووجهة نظر , كان لزاما علينا أن نكون قريبين جدا من هذا التيار , قربا يجعلنا متفهمين له وعارفين بأسراره وتوجهاته وبالدوافع التي تسيره وتخطط له وصولا للغاية المنشودة.
مؤكدا أن الطفل الذي بيننا اليوم هو رجل الغد وهو الطاقة الخلاقة التي نعتمد عليها مستقبلا في مجمل عمليات البناء والأعمار والتنمية والتطور , ولما كانت من أولويات العولمة إلغاء الهوية الوطنية ومسخها من العقلية وقطع كل وشائج الانتماء وإزالة الأسس والمرتكزات والبنية الثقافية التي يحملها الطفل أو يعيشها أو ما ستكون قريبة منه على أساس أن العالم وحسب فرضيتهم ما هو إلا قرية صغيرة أو بيت صغير وربما غرفة أكثر صغرا وضيقا فكان الطفل في المجتمعات النامية أو المتأخرة هو المستهدف الأول في عقيدتهم.
معرجا على نظرتهم العولمية حيث عملوا مع مؤسسات عالمية متخصصة ومع مراكز بحث علمي مشبوهة لتحقيق أغراضهم وتوجهاتهم في تزييف العقول وتغيير المعتقدات ومسح التوجهات التي لا يرتؤونها من أجهزة الإعلام المختلفة وكذلك المطبوعات ووسائل الاتصال المختلفة .
مبينا أن ما يعرض في مجال السينما والمسلسلات الموجهة للأطفال عملوا على الترويج لصورة البطل الغربي في طرح شخصيات وهمية وخيالية وغير مقبولة لا ذوقا ولا سلوكا ولا إرثا اجتماعيا أو تربويا من أمثال شخصيات بات مان وسوبر مان والرجل الدودة والرجل الحديدي ورجل الفضاء وكراندايزر…الخ من الشخصيات التي لا تعد ولا تحصى والتي تتسابق للترويج للفكر الغربي ضمنا ولغة وثقافة وأسلوبا في الحياة ومفاهيم ومعتقدات إضافة إلى تناول الرموز والشخصيات الوهمية المقززة للنفس وللذوق وللبعد الجمالي للرؤية الطفلية وكذلك المسار التربوي في ابتكار حيوانات كريهة تتدخل في إعادة بناء السلوك الجمالي والاجتماعي والعمراني والثقافي مع إدخال تقنية الصراع مع الكواكب الأخرى والتصدي لهم من اجل تحرير الأرض حيث تحاول وهميا إن تغزو الأرض وتحتل أرضا فيه ربما تكون العراق أو مناطق الخليج الأخر ى حيث يقومون بمحاربتهم وتحرير هذه الأراضي منهم لتسجيل فضل منهم ضمنيا على أبناء هذه الشعوب التي لا تعرف من المؤامرة شيئا وبذا ينجحون في السيطرة على الكثير من بقاع العالم ويقوم الأبطال الذي يقدمون من أميركا لتحرير الأرض من هذه الكائنات الفضائية وهؤلاء المحررون هم على الأعم الأغلب يأتون من واشنطن أو لوس أنجلس أو فلوريدا لتصبح هذه المدن رمزا للحرية والتحرر والانعتاق من نير استعمار الكائنات الفضائية لأرضنا العربية ويكونون في الوقت نفسه مخلصين و متفضلين على الجميع بأنهم أنقذونا منهم ، ولهذا فانه سيكون من حقهم أن يمتلكوا ما يمتلكون من خيرات وثروات أو أنهم يبتكرون لعبا كثيرة بتقنية عالية الجودة وخيال جامح بان يجعلوا سكان الشرق الأوسط ولا سيما العربية منها تقوم بأعمال إجرامية ووحشية بعيدة كل البعد عن الإنسانية كقتل الناس وتسميم الأنهر وحرق آبار النفط أو استعمال الأسلحة المحرمة دوليا كالقنابر النووية والهيدروجينية ضد الغرب المسالم البريء الآمن مما يفسح المجال لهم لان يحاربوا هؤلاء الخارجين عن الإنسانية والقانون الدولي ويعملوا بكل ما يملكون من قوة على قتلهم وتدميرهم وإبادتهم وإيجاد كل المبررات لاحتلال أرضهم والاستيلاء على ثرواتهم، وهم في تلك اللعب المشبوهة يتقصدون أن يجعلوا تلك الشخوص تتكلم اللغة العربية دون سواها وبملابس عربية لكي يزرعوا في عقلية الأطفال وفي ذاكرتهم ومخيلتهم وفي أعمق أعماق اللا وعي منهم وتفكيرهم بان هذه الشعوب لا تستحق العيش ولا الاحترام وان العمل على قتلها وفنائها هو الحل الأمثل لتخليص البشرية منهم ويعملون على تحقيق ذلك بكل ذكاء والمعية وتفكير تقني وجمالي ونفسي وخيال ودقة فنية وتعبيرية حيث أن الطفل يبدأ برفض حالته الحالية ويتمرد عليها ويسعى حثيثا إلى اللا انتماء إلى وطنه وهذا ما تريده أصلا توجهات العولمة ألا وهو خلق جيل غير منتم لوطنه ولا لاُمته , جيل رافض لكل شيء في واقعه وبالتالي سيكون سهلا جدا انتماؤه إليهم والترويج لأفكارهم ومعتقداتهم الاستعمارية على الرغم مما فيها من كذب وتدليس وخديعة وادعاءات واهمة بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق .
أما في مجال المطبوعات: كتب , كراسات ,مجلات , صور, فولدرا ) فإن المسألة تكون أكثر خطورة وأكثر تأثيرا في نفسية ومخيلة الطفل , حيث تتحول الكلمة إلى سلاح قاتل والصورة الى سيف قاطع واللون إلى سم زعاف يقتل مخيلة الطفل ويفني ذائقته الجملية ويلغي فيه البراءة والإنسانية من خلال رسم القصص والحكايات التي تروج للوهم الغربي وللثقافة الغربية , كل ذلك يوضع في اطر جميلة وأساليب محببة إلى النفوس في جمال وروعة بحيث تتمكن من اسر قلوب ومخيلة الكبار قبل الصغار وبالتالي ستقترب من عقليتهم وتستولي عليها بكل سهولة محققة لهم ما يريدون من بث أفكار سامة وهدامة بان الانتماء للوطن ليس مهما والدفاع عنه ليس ضروريا وانه عبث ما بعده عبث وكذلك فان التمسك بالتراث والتقاليد والأعراف إنما هي خدعة وهي نوع من أنواع الجهل والتخلف وتأكيدا منهم لتحقيق ذلك فإنهم يعملون على طبع الكتب بكميات كبيرة جدا وبشكل أنيق ومتميز من ورق زاه وصقيل وألوان جذابة لكي يكون متوفرا بين أيدي الأطفال وفي أحيان كثيرة يقدمونه مجانا إن لم يكن بأسعار ميسورة لهم وهذا ما وجدته شخصيا في مكتبات مدارسنا العراقية بحكم كوني مشرفا اختصاصيا لمادة اللغة العربية حيث الآلاف من هذه الكتب متوفرة في رفوف المدارس, في حين تخلوا مكتباتنا المدرسية وللأسف الشديد من مؤلفات الكتاب العراقيين أو العرب ممن يحملون هوية الانتماء وحب الوطن والاعتزاز بالتراث والموروث الحضاري لامتنا العربية , وكانَّ المسؤولين في وزارة التربية لا ينتبهون لهذه الخطورة الكامنة في هذه الهجمة الثقافية الشرسة والتي يعملون عن قصد أو غير قصد للترويج لها والمساهمة في تخريب عقلية أطفالنا وتدمير أفكارهم وثقافتهم وانتماءهم وكانَّ انتماء الطفل لوطنه مسالة لا تعني وزارة التربية ولا للقائمين على تسيير أمورها .
إذن ما نعمل نعمل؟ سؤال يتحتم الإجابة عليه, فالنعامة التي تخفي رأسها في رمال الصحراء الملتهبة لكي توهم نفسها أنها لا ترى الريح المحمل بالرمال ولا العاصفة الرملية , امرأ بات غير مقبول في الوقت الحاضر, فالجميع مطالبون بالوقوف بوجه هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف أطفالنا وهي مسؤولية جمعية وليست فردية , فالدولة وثقافتها وفلسفتها تجاه بناء جيل والعمل الجاد على تعزيز وذلك البناء من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة , ومن خلال الكتاب المدرسي , ومن خلال المطبوعات الموجهة للطفل والتي تتصدى لهذه السياسات والأفكار الواردة بنفس القوة من الكفاءة والجودة والإبداع لكي لا تكون أعمالنا وأطروحاتنا اقل جودة مما هو مطروح من قبلهم وهنا يكون استقطاب المبدعين والأكفاء من الكتاب والمخرجين والرسامين والمؤلفين والفرق المسرحية سبيلا لتحقيق ذلك التكافؤ والتصدي بقوة واقتدار لتلك الأفكار الواردة.
وأنا شخصيا ماذا عملت من خلال كتبي ومؤلفاتي ودراساتي الكثيرة؟ , فمن خلالها كلها عملت على تعزيز القيم والمفاهيم التي تشد انتماء الطفل وخلق الرموز الوطنية المعروفة وإعادة تقديمها من جديد إليهم بأساليب جميلة ومحببة ووضع إحداثها بأسلوب يقربها من الأذهان ومن الذائقة الجمالية والأفق المعرفي لأطفالنا وتشد الطفل إليها وتجعله أكثر اعتزازا وتمسكا ومعرفة بما هو مُقدم إليه وما فيه من رؤى ومن مفاهيم مجتمعية تبني وتعزز وترسخ هذا من خلال الأطر العامة للكتابة للأطفال , أما من خلال الأطر الخاصة التي تتعامل مع أطروحات العولمة والتطور التقني في البرمجيات الحاسوبية فقد كتبت مجموعة من القصص التي تتناول الحاسوب وتجميل وسائل الاتصال لدى الأطفال بشكل علمي مدروس فيه تربية وذكاء وإبداع وتخيل , فمجموعة ( مها … والحاسوب ) كانت قريبة من تقنيات البرمجة الحاسوبية للأطفال روَّجتُ من خلالها على إبداع الطفولة بالتعاون مع الآخرين ومع المعلمات في تقديم كل ما هو أفضل وأجمل ومن خلال قصصي الحاسوبية هذه التي ستكون مدخلا لقصص وروايات أكثر عمقا وتطورا وجمالية في المستقبل وكلها تعزز البناء والانتماء وغرس روح الإنسانية والتمسك بالهوية والاعتزاز بالوطن والموروث والتراث .
وأضاف: نستمر نكتب ولا نتوقف أبدا , فالكتابة عندنا رسالة وغاية وهدف وهي مسؤولية نحملها من خلال أيماننا بقداسة الرسالة التي نروّج لها ومن خلال معرفتنا بقيمة وأهمية وخطورة ما نعمل من توجه للفئة التي نكتب لها لا بد إن نكون متواصلين أبدا معهم وان نقدم لهم من خلال إبداعنا كل جديد ومبتكر ولن نتوقف أبدا ولن تثنينا كل المعوقات ولن تخذلنا كل التجاهلات من أي طرف كان , فالكتابة للأطفال هي رسالة إنسانية ومسؤولية وطنية ولا بد إن نكون بحجم تلك الرسالة وقوة المسؤولية .
كاتب متخصص في أدب وثقافة الأطفال.