النّطف المحرّرة من عجائب هذا الزّمان
قمر عبد الرحمن
لقد سبّبت القضيّة الفلسطينيّة منذ سبعين عامًا وأكثر صداعًا مزمنًا للأمّة العربيّة، وقرّرت تناول مسكّن التّطبيع متوهمة العلاج، فهي لا تعلم أنّ تناولها لمسكّن التّطبيع سيُفشي سرطان العار في دمها، وستموت موتها الأبديّ..
لقد وصلنا للزّمن الذي اجتمع فيه العدو المباشر والأعداء غير المباشرة على هدف واحد، وهو إبادة كلّ ما هو فلسطيني؟! من خلال القتل المتعمّد، الأسر، التّهميش، التّغييب في المحافل الدوليّة، سرقة أفكاره، وتجاهل مُنجزاته التي تُظهره مُتحديًا مُنتصرًا على واقعه المرير والبائس.. لكن شتّان بين طالبِ حقٍّ وطالبِ باطل؛ فطالبُ الفناء لغيره سيفنى وهو يحاول كسر إرادة الحياة الذي يتمسّك بها الآخر -ولن يستطيع-
وفي فِلسطِيننا سواءٌ أكنتَ داخل السّجن أو خارجه -والسّجن أقسى- فأنت مقيّدٌ بشكلٍ أو بآخر في حياتك اليوميّة والعمليّة والثّقافيّة، وكلّ شيءٍ قد يتصوره العقل وقد لا يتصوره.. لذلك فإنّ قضية النّطف المحرّرة من عجائب هذا الزّمان، وكأنّ السّجين يقول لسجّانه: ها أنا أحرّر جزءًا منّي ليكمل الحياة عنّي!! وتحرير جزءٍ من الجسد في لحظةِ إصرار وإرادة، يعني تحرير كلّ الجسد في يومٍ ما.. هي ابتكارٌ للحياة من اللاحياة.. هي حريّةٌ عجيبة لشعبٍ عجيب لا يكفُّ عن طلب الحياة (وهو جدير بالحياة، وجدير بالحريّة).
أمّا بالنّسبة لفيلم “أميرة” فلا حاجة لإضافة الخيال المسموم على قضيّة النّطف المحرّرة التي تعتبر أصلًا ضربًا من الخيال الأسطوريّ، الذي لم يطرح بعد في السّينما العربيّة.. القضيّة بذاتها تمثّل نجاحًا لأيّ عملٍ سينيمائيّ -إذا طُرحت كما هي- وتمثّل انتصارًا لكلّ فلسطينيّ حول العالم؛ لأنّها دالّة على استمرار الحياة.. فكلّ مستمرٍ بالحقّ قويّ.. وكلّ مستمرٍ بالحقّ منتصر.
ومن نعم الله علينا أنّ ذاكرتنا لا تصدأ، ولحسن الحظّ أن لا قضبان على الذّاكرة؛ فالذاكرة حرّة تحلّق وتحيا وتعجن المستحيل، أمّا القضبان فكانت للجسد فحسب.. وها هو الجسد المقيّد يحرّر جزءًا منه، وسيتحرّر كاملًا بعدما يذوب السّجان من سطوع الإرادة على جبين السّجين الحُرّ.