نحن نصنع طواغيتنا

سمير عبد الصمد | شاعر أردني

منحوتة رملية اندينو باستاريكا

استطرادًا لنقاش الأمس، حول الطغيان والطغاة والظلم والظالمين…. أحب أن أضيف شيئًا ولو قليلا، راجيا أن يتسع صدر الجميع… في الحقيقة،  وكما يقولون،  نحن نصنع طواغيتنا، نصنعهم بالتمجيد والتبجيل ورفعهم إلى درجة الملائكة، نحن مَن نزين لهم أعمالهم، فيصدقون أنهم عباقرة لا مثيل لهم عبر التاريخ.
ونحن لا نكتفي بتأليه المعاصرين،  بل ذلك استمرار لتأليه الغابرين،  كل منا يتحدث عن عصبية لا عن وعي،  ونناقش، ونحن نحمل صورة نمطية عن بعض أسلافنا بأنهم الأنقياء الأتقياء العظماء الذين لم يرتكبوا إثما ولا خطيئة،  وإذا وجهنا النقد فإننا نوجهه لغيرنا، وخصومنا في الرأي والمذهب،  وإن كانوا شركاءنا في الوطن والمواطنة،  لا نستحضر من تاريخنا إلا الجانب المحبط المشتت، وليس التاريخ الحافز المجمع،  ثم نبني علاقاتنا مع الآخرين على أساس التاريخ الغابر،  نتفاخر بالعظام النخرة،  والآراء البالية التي تمزق شمل الأمة،  ونبتعد، سهوا أو قصدا،  عن وجوه التلاقي والتآلف، تم ننظر إلى شركائنا في الوطن على أنهم أخس الأعداء، الذين يجب أن نتخلص منهم حتى تستقيم أمورنا، وما زلنا نبحث عن الأخد بثأر قديم، حتى تصلح أحوالنا.

حدثني صديق عاد حديثا من فيتنام بعد أن قضى بها بضع سنوات،  وما أدراك ما فيتنام، وهي التي عانت ما عانت من احتلال فرنسي وأمريكي،  وشهدت دمارا لا مثيل له،  وكلنا نعرف ذلك. حدثني،  أنه رغم إقامته الطويلة هناك،  فلم يسمع من أي شخص،  مسؤولا كان أو مواطنا عاديا،  رغبة في الانتقام من أمريكا،  او الثأر من فرنسا،  ولا يدعون بالثبور وعظائم الأمور لأي كان، كانوا ينظرون جميعا للمستقبل، ويضعون الماضي المرير خلفهم، يفكرون كيف سيبنون بلادهم،  ويعيشون، وأبناءهم وأحفادهم، في ازدهار، هذه صورة من فيتنام. ولن أشير لليابان التي ضربت بالقنابل الذرية، ولكنها نهضت من تحت الركام أقوى وأصلب، وانتم تعرفون  ذلك.

لماذا نحن فقط لدينا الرغبة المجنونة في الثأر من أناس لا ذنب لهم، إلا لأنهم يخالفوننا في الرأي أو المعتقد،  أمام الآخرين نحن مثاليون متحابون مصلحون نتكلم عن وحدة التراب وذوي القربى، وتلاقي المصير والمسير،  وبيننا وبين أنفسنا نضمر شرًا وريبة لكل من يعارضنا،  ونتحين الفرصة للانقضاض بكل شراسة.

أحبتي:
لتكن نظرتنا للمستقبل، دعوا الماضي وهمومه،  وابحثوا عن مستقبل مشرق،  عله يكون أفضل لأبنائنا من واقعنا، فربما يعيشون في وطن آمن مستقر، ولا يعيشون في العراء في ظروف لا إنسانية لا تليق بالبشر، بل ربما لا تليق بالحبوانات، يعيشون على أرض محبة صلبة خصبة،  ولا يكون مصيرهم طعاما للأسماك والقروش والحيتان.

التفتوا للمستقبل ولا تبالوا، لا تنتظروا من أحد مِنة أو كرما،  شرقًا أو غربا، بل هيّا نصنعه معا بإرادتنا وأيدينا. وثقوا أن القادم سيكون بالمحبة أجمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى