من أدب الرسائل: كلما أنكسر أقرأ رسائلك
حياة الرايس | من كتاب ” أنثى الريح “
قربت العشيّة…..هجعت الحرائق في الخارج و لم تهجع الذكرى… قمت إلى المطبخ أحضر قهوة تركية سبقتني رائحــتـها إلـى الصالون … مخمل الأرائك الوردية يصحو بكسل على رائحة القهوة ….يفتقد رائحة أنفاسك تعطّر القهوة وتعطّر البيت برائحة الحياة ….. وإذ يراني اشرب القهوة وحدي هذا المساء يعود فيتناعس فيما يشبه الخدر اللذيذ على وقع ذكريات خطواتك و جلساتك و حكاياتك وهمساتك و وميض عينيك يفيض ببريق يزهر المكان .
رقة ووداعة ستائر الموسلين الزبرجدية مصلوبتان على مراتيج الشبابيك .و النسيم ممعن في الجفاء و أنا وفيّة، لتلك الأريكة، اللصيقة، بالشباك، جاد النسيم أم بخل , قبالة أريكتك ، التي تفتقدك أيضا هذا المساء ….
مكانك اليوم خال وأنا ارتشف القهوة بمرارة فقدانك…. استحضر وجهك…. و كلامك و مكانك…. كيف لهذا المكان أن يصبح كل ذاكرتي؟ و كيف لذلك اليوم الذي سافرت فيه أن يصبح مقياس زمني و ساعتي الحائطية التي تسير بتوقيتين فقط هما ما قبل رحيلك و ما بعده… كأنني اخترت هذا الركن لأختلي بألمك كما كنت اختلي بفرحك و احتفي برسالتك ( التي و صلت اليوم ) على طريقتي الخاصة …. متوحّدة بجرحك الذي لا يضمّده أحد… جرح سريّ ليس له اسم و لا هويّة و لا عنوان في سجلات الأحزان الرسمية , لعلاقة لم تحظ بشرف الأختام الرسمية … جرح غريب يتيم ليس له من يسنده .
افتح رسالتك أفترش حروفها و استند على سطورها . أبحث في طيّاتها عن تفاصيلك ، عن وجهك … عن ولهك …عن حبورك …عن غيابك… عن حضورك …عن هذا البعد الذي يعبث بنا ، كورقة خريف في مهبّ الفصول …عن يدك ، تدفئ يدي الباردة ، فتبعث الدفء في أوصال هذا المساء …. واحمل رسائلك بلسما لجراح الأيام و درعا لطعنات السنين …
أنا أيضا و مثلما كتبت لي ذات رسالة : ” كلما انكسر أقرا رسائلك “