لمن تقدم اوراق اعتمادك يا منصور؟

نهاد أبو غوش | فلسطبن

ثمة قول مشهور يلخصه سؤال ” على من تقرأ مزاميرك يا داود” ومضمونه يشبه المثل العربي القائل “لا حياة لمن تنادي” . ولدينا في السياسة المعاصرة نماذج كثيرة على الأعمال والأقوال التي هي أقرب للعبث ولا تفضي إلا للخزي والعار، بعضها أنيق ومنمّق، وبعضها مشين ومُسِفّ ينتقص من قيمة صاحبه كما يفعل النائب العربي المتاسلم في الكنيست الإسرائيلي منصور عباس الذي قام بسقطة بهلوانية أخرى، كبيرة ونوعية هذه المرة في اتجاه الحضيض، وربما في اتجاه هاوية لا قرار لها. تلك هي سقطة رئيس ائتلاف ما يسمى القائمة العربية الموحدة، والتي أعلن فيها إقراره بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل. وهو لم يكتف بذلك من باب إقرار حقيقة واقعية قائمة بالفعل كما حاول أن يفسر، بل من باب مطالبته جمهوره العربي الفلسطيني بأن يقرّ بهذه الحقيقة أيضا وأن يودّع الأوهام، وبالتالي أن يكفّ عن المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية والسياسية، وهو ما يقود بالمحصلة إلى الالتحاق، من الموقع التابع والذيلي، بالأحزاب الصهيونية، وإلى تبني الرواية الصهيونية بحذافيرها، والإقرار بنظام التمييز العنصري “الأبارتهايد” الذي بات يتأسس على الأرض.

سبق لمنصور عباس أن ارتكب مجموعة متلاحقة من الأخطاء والخطايا التي قادته إلى هذا الموقع الذي هو فيه الآن، وأولى خطاياه هي مساهمته في شقّ صفوف القائمة المشتركة، ما أدّى بالنتيجة إلى إضعاف التمثيل العربي في الكنيست من قوة كبيرة مؤثرة قوامها 15 عضوا، يمثلون القوة الثالثة في الكنيست، إلى مجموعة منقسمة إلى كتلتين إحداهما وهي القائمة المشتركة في المعارضة بقوة 6 مقاعد، والثانية التي يرأسها عباس والتي تمتلك 4 مقاعد، وقد شاركت في الحكومة بدور شاهد الزور على مشاركة عرب فلسطينيين في حكومة تميّز ضدهم وتحارب شعبهم وتواصل اضطهادهم في جميع مجالات حياتهم.

حين برّر الانشقاق وقتها، تنافخ عباس غضبا وشرفا متسلحا بقيم وأخلاقيات المجتمع العربي الإسلامي ومحتجّا على اعتراض بعض نواب المشتركة على رفضهم مشروع قانون يجبر مثليي الجنس على تلقي علاج خلافا لرغبتهم، وخاض بعد ذلك حملة تحريض مسعورة ادعى فيها أن نواب المشتركة يؤيدون زواج المثليين، واصطف مع أكثر الكتل الصهيونية واليهودية المتزمتة تطرفا في معارضة القانون الذي وصفوه يهدد قيم المجتمعات المحافظة (الاسلامية واليهودية). كل ذلك تبين انه كذب وافتراء ومجرد ذريعة لتفكيك المشتركة، لأن عباس ارتمى واندلق على نتنياهو الذي يضم في قيادة حزبه وحكومته الوزير العنصري المثلي الصريح أمير أوحنا، لكن ما أغلق الطرق في وجه انضمام عباس لحكومة نتنياهو كان حزب الصهيونية الدينية الذي رفض الشراكة مع قائمة عربية حتى لو كانت موالية للحكومة. بعد هذه الخيبة زحف عباس وانضم للحكومة التي يرأسها بينيت وتضم وزيرا مثليا معروفا هو نيسان هوروفيتش وزير الصحة ورئيس حزب ميريتس. واتخذ عباس دائما مواقف مؤيدة للحكومة حتى في أكثر المواقف تطرفا وعداء للجماهير العربية الفلسطينية، بما في ذلك القوانين الخاصة بشأن تهويد القدس، والقانون الذي يمنع جمع شمل العائلات الفلسطينية، وقانون استخدام اللغة العربية وتعليمها كلغة أساسية ( وفي هذا الموضوع تحديدا سخر النواب اليهود من عباس وقالوا له من على منصة الكنيست أن الكرسي عند عباس أهم من الإسلام واللغة العربية)، كما أيد عباس التضييق والتشديد على الأسرى الفلسطينيين، وقانون يمنح الشرطة إذن تفتيش البيوت العربية بدون إذن نيابة، ووسط هذا السقوط والاستخذاء الذي ليس له ما يبرره على الإطلاق سوى التشبث بالسلطة الوهمية وهيلمانها، تطوع عباس بشكل فجّ للدفاع عن المستوطنين رافضا التعبير الذي استخدمه وزير الأمن الداخلي عومر بارليف عن “ظاهرة” عنف المستوطنين، وقال عباس أنه لا يجوز تعميم أحكام كهذه ضد جمهور كامل وهو موقف يأنف بعض الصهاينة من اتخاذه لأن ظاهرة عنف المستوطنين لا سبيل لإنكارها ويشكو منها حتى قادة جيش الاحتلال.

لا يمكن بالطبع اتهام الحركة الاسلامية، وتحديدا الجناح الجنوبي الذي يترأسه عباس (الجناح الشمالي برئاسة رائد صلاح يقاطع انتخابات الكنيست) بمجموعها واتهام كل أطرها وجمهورها، فهذه الحركة مهما اختلفنا معها، ذات تاريخ معروف في الدفاع عن الجمهور العربي وقضاياه وقيمه ولغته وهويته الوطنية، ومؤسس الحركة الشيخ عباس نمر درويش كان من الشخصيات الوطنية المؤثرة والتي تسمع كلمتها حتى من الخصوم، وعبد المالك دهامشة أحد نواب الحركة البارزين كان المحامي الخاص بالشيخ الشهيد احمد ياسين مؤسس حركة حماس ولعدد من قادتها. لكن الحركة الاسلامية الجنوبية في الداخل الآن، ووسط جو المناكفات مع القوى العربية الأخرىن تتخذ موقف الصمت أو التأييد المبطن وفي أحسن الأحوال النقد الناعم لمواقف منصور عباس المخزية، والتي لا يمكن اعتبارها كسقطات شخصية وهفوات، بل هي تعبر عن نهج متكامل عنوانه التماهي مع الأسرلة وقبول شروطها، وأبرزها شرط انفصام جزء من جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل عن قضية شعبهم الفلسطيني وحقوقه الوطنية. منصور عباس ومن على شاكلته يقومون بمقايضة الحقوق الوطنية والسياسية، والهوية والمواطنة والحقوق الكاملة ببعض المزايا والمكاسب والتنفيعات التي هي أشبه بالرشاوي من قبيل زيادة مخصصات بعض المجالس العربية وتنفيذ بعض خطط التطوير التي هي اساسا حقوق وليست منة ولا فضلا من الدولة.

منصور عباس يواصل تقديم أوراق اعتماده واثباتات حسن السير والسلوك للمؤسسة الصهيونية الحاكمة عسى أن تقبل به هذه الأخيرة كشريك، ولكنه واهم، ففي دولة “يهودية” يحكمها قانون القومية الذي يؤيده عباس، لا مكان للمساواة والندية، توجد أماكن فقط لمتعاونين مرموقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى