حقائب الأمل.. رواية لـ “يورام كاتس “.. نص صهيوني دعائي لا يرقى إلى الرواية
نبيل عودة
حقائب الأمل… نص سردي اقرب إلى الكتابة التسجيلية، يستعرض كاتبه – وهو ضابط إسرائيلي في جيش احتلال لبنان 1982- علاقة له تطورت مع تاجر لبناني اضطر إلى استيراد بضائعه من إسرائيل، وخلال العلاقة يتبين جانبا صعبا في حياة التاجر اللبناني وزوجته: عجزهما عن إنجاب طفل. في المقدمة يستعرض كاتس “الأخلاقيات الحميدة” للاحتلال الإسرائيلي الذي أقام “وحدة تقديم المساعدة لسكان لبنان” حتى يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي ودم اللبنانيين المسفوك كان لهدف إقامة “الوحدة لمساعدة سكان لبنان“؟! ويستعرض كاتس الجهود التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتسهيل حياة اللبنانيين من حرب لم يختاروها، وهم يلقون بمسؤوليتها على الفلسطينيين في المخيمات المحرومين من الوطن ومن الجنسية حيث لجأوا، ومن حق العمل والتملك ومن الحياة بأقل مستوى يعيشه الإنسان، وحلمهم بالعودة إلى وطنهم يصبح إرهابا، ورفضهم لحياة الذل في لبنان يعيق مجرى حياة اللبنانيين كي تجيء إسرائيل، ربما لإنقاذ اللبنانيين… من جسمٍ برزَ فجأة في بلدهم ليعتدي على إسرائيل، ويمرمر حياة اللبنانيين، وذلك بتعريضهم لحروب لم يختاروها.
أنا كشاب عاش فترة الحكم العسكري بعد احتلال فلسطين (48) وإقامة دولة إسرائيل على خرائب شعبي الفلسطيني، أحمل ذكريات صعبة عن فترة الحكم العسكري الإسرائيلي (الاحتلالي) ومن المستحيل أن جيشا محتلا قادر على حمل رسالة إنسانية.
قد يكون يورام كاتس إنسانا طيبا على المستوى الشخصي، ولكن من المستحيل إضفاء طيبته على آلة عسكرية تدميرية لا تتردد في قصف سكان آمنين ومدارس تعج بالأطفال ومستشفيات وتدمير بنى تحتية وحياة أبرياء ثم الادعاء أننا هنا لنساعد، والمساعدة الأكبر في أي مفهوم أنساني أو قانوني دولي، هو إنهاء الاحتلال وكنسه، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني (ونعرف انه حق منقوص) بالتحرر وبناء دولته المستقلة وحل مأساة اللجوء التي شاهدها كاتس في لبنان ولم تتغير حتى اليوم، بل تزداد حدة ومأساوية.
خلال وجود يورام كاتس في مكتب الجيش لمساعدة اللبنانيين يتعرف على تاجر لبناني … يساعده في الوصول إلى إسرائيل لشراء البضائع .. ويرتبطان بعلاقة شخصية، ليكتشف يورام كاتس أن لصديقه اللبناني مشكلة تنغص حياته رغم أمواله الكثيرة.
وهنا نصل للمضمون الأساسي للرواية.
النص يتركز في قسمه الكبير، حول مشكلة الإنجاب وعلاج الزوجين في إسرائيل. حيث يتبين أن المشكلة لدى التاجر وليس لدى زوجته، رغم أن الفحوصات في العالم العربي أكدت على عقر المرأة. تلميح واضح للموقف السلبي من المرأة. كأنه يقول حتى الطب العربي يدين المرأة.
جزء كبير من النص يتركز حول استعمال منى من متبرع لتقوية منى الزوج وإخصاب البويضات وإعادتها لرحم المرأة. وبشكل غير مباشر نلمس الفجوة الطبية بين إسرائيل الصغيرة والعالم العربي، وربما بين عقليتين، العقلية العربية التي تضع كل الإثم على المرأة وتغلق الموضوع، و”العقلية العلمية” لإسرائيل التي ترى المرأة والرجل على قدم المساواة، وتبحث عن المشكلة بدون موقف مسبق، لذا تنجح بالوصول الى السبب لتعالجه.
العلاج المقترح محرج للرجل الشرقي المعتز برجولته ومهين له أن يكتشف انه عاقر رغم قدراته الرجولية … ويبدو ان هذه قاعدة طبية كما هي قاعدة عقلية في العالم العربي … اذ أكدت التقارير “الطبية” العربية من لبنان والقاهرة أن المشكلة في المرأة.
حتى جاء الاحتلال الدموي للبنان، الذي نفذ مجازر رهيبة ضد السكان بما فيهم أطفال لبنان وأطفال اللاجئين الفلسطينيين، والمهم جاء الفرج للتاجر العاقر، ليساعده الطب الاسرائيلي في تجاوز عقره، بعد أن قام العسكر بتدمير حياة الاف السكان والأطفال في لبنان، وطن التاجر!!
المعادلة هنا مقيتة … مشاعرنا مع التاجر لأن ينتهي زمنه العاقر، لكن خلفية الحدث لا تغيب عن ذهننا. متى ينتهي زمن الفلسطينيين العاقر؟! هنا المشكلة الجوهرية التي تستحق ان نتعامل معها في الأدب أيضا !!
ونعود لبطل الحكاية التاجر العاقر … فعبر نقاشات وترددات تتميز بها العقلية الشرقية ولقاءات مع من عبروا بنفس التجربة، ولقاء مع شيخ..الخ، يقتنع التاجر بالحل الوحيد والفرصة الوحيدة لكي يرزق بطفل.. بأن يخلط زرع من متبرع مع زرع التاجر ليصبح مثمرا.
وهكذا تنتهي الحكاية بالإخصاب، وانه بعد عودة التاجر وزوجته إلى لبنان انقطعت العلاقات، ليتسلم يورام كاتس من باريس، بعد سنة، طرداً مع صورة الطفل المولود.
الكاتب العبري يورام كاتس، يحاول أن يقدم صيغة بديلة عن العداء والقتل والدم الذي ميز ويميز العلاقات الإسرائيلية مع لبنان.
السؤال المركزي: هل قدم لنا يورام كاتس نصاً روائياً؟!
النص كتب بصيغة صحفية ويفتقد لمجمل المركبات الروائية، ومع ذلك فيه جانب أنساني أتمنى لو ينتصر، ويسمو فوق الجانب العدائي الاحتلالي الدموي الذي يميز سياسات إسرائيل ونهجها، مع لبنان والشعب الفلسطيني وسائر الدول العربية.
العداء الذي يظهره التاجر اللبناني للفلسطينيين، المحرومين من الجنسية ومن الحقوق الإنسانية وحقوق العمل في لبنان، هو واقع لا يتردد حتى كاتس في تصويره بشكل صحيح، وبالنسبة لكاتس يبدو الحديث عن اللاجئين كحديث عن مجموعة سكانية نشأت فجأة في لبنان، لا دخل لاحتلال إسرائيل لوطنهم بها. يسببون المشاكل للبنانيين، واللبنانيون لا يريدونهم، والمشكلة لا دخل لإسرائيل بها.
واضح أن ما اشغل يورام كاتس، ليس مشاكل الحرب والعداء التي أنتجتها نكبة فلسطين، إنما إنسانية المحتل واستعداده لمساعدة زوجين عاقرين داخل إسرائيل… بالطبع علاج كلف التاجر مبالغ طائلة جدا …
النص يفتقد لمعظم العناصر الروائية، وهو أقرب إلى السرد الإخباري. صحيح أن قصة الزوجين تثير الحس الإنساني النقي …ولكن المضمون يبقى خبرا وليس رؤية روائية مشرقة لواقع نزاع دموي، لا يمكن لخبر قصصي أن يجعل النص نهجا لرؤية مختلفة وعلاقات مختلفة وعالم مختلف، خاصة وأن النص يتعامل مع الاحتلال وكأنه جزء من الوصايا العشر التي استلمها موسى، حسب اسطورة التوراة، من ربه في جبل سيناء.
ولو طرحنا القصة من زاوية إنسانية أخرى، بأن لبنانيا فقيرا تقدم بطلب الحصول على مساعدة لعلاج العقم، أو لعلاج صحي آخر، وربما علاج مصابين ومشوهين نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان؟ هل كان سيجد آذانا صاغية وقلوبا ترحم؟
لم نسمع أن الاحتلال عالج جراح أحد الضحايا، ومن تلقوا العلاج، تلقوه على حسابهم بالأساس … ربما يجب أن نكون سعداء لأن المحتل لجنوب لبنان نظم رحلة للاجئين الفلسطينيين، كما جاء في النص، ليشموا رائحة وطنهم ويشاهدوا قراهم التي تحولت إلى خرائب وبلدات لا تعرف لغتهم، تبنى فوق أملاكهم. ولكن إنسانية المحتل تتجلى بتكريم الفلسطينيين بغذاء في كيبوتس يحرث ويدرس ويأكل ويسكن القادمين في أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم.
لا اعرف كيف استطاع أولئك اللاجئين ابتلاع لقمة الغذاء وهم يرون مأساتهم مجسدة وتاريخهم مستلب وأرضهم تغتصب !!
لا بد من ملاحظة حول لغة الترجمة: المترجم نادر ابو تامر هو استاذ للترجمة المهنية في الكليات وكاتب قصصي برز بالأساس بالكتابة للأطفال، تتميز لغته العربية بالصياغات الجميلة المتقنة والسهلة في مبناها ومعانيها ووضوحها. وانا على ثقة ان لغة الترجمة أضفت على النص جمالية خاصة، وبالطبع لا علاقة للمترجم بمضمون النص!!
الكتاب: حقائب الأمل (160 صفحة حجم صغير)
المؤلف: يورام كاتس
ترجمه للعربية: نادر أبو تامر
إصدار: دار الهدى- كفر قرع