يوميات كورنيش الاسكندرية.. لعنة امرأة (١٧)
محمود عبد المقصود | الإسكندرية
نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام
أفسدت أخلاقه نزواته وقيدت أحلامه رغباته.. انشغل بمستقبله فهمش حاضره.. تطلع لغده على حساب يومه.. رفض منذ نعومة أظافره أن يكون مجرد رقم فى تعداد الوطن.. عيناه تشبثت بنجاحات زويل والباز ويعقوب.. فاشترى مستقبله بحاضره..اعتزل الدنيا بزخرفها؛ لم يستجب للهو أقرانه فى طفولته، ولا لغواية أصدقائه فى شبابه، ولا لفحولة جسده فى مراهقته.. انكب على دراسته فى الثانوية العامة واصلا الليل بالنهار فكان الأول على الجمهورية والتحق بكلية الطب وتقدم على زملائه ولم يشبعه تعيينه فى سلك التدريس الأكاديمي؛ فأعد رسالات الدبلوم والماجستير وبينما هو مشغول بإعداد رسالة الدكتوراه لفتت فحولته نظر امرأه مطلقة فى الثلاثين من عمرها أتاها الله فيضا من الحسن والجمال والأنوثة والدلال؛ كانت تعمل ممرضة معه فى المستشفى الجامعى وكانت تتعمد أن تستبدل مع زميلاتها أيام النوبتجيات الليلية للانفراد به؛ روادته كثيرا بعبارات ونظرات وحركات إلا أنه لم يدركها بسلامة فطرته ونقاء سريرته وحسن ظنه وقلة خبرته وسمو أخلاقه واستقامته؛ فهو لم ير إلا علمه ولم يسع إلا لحلمه وهدفه. الأمر الذى جعله محط أنظار الجميع وحازت شخصيته إعجاب أساتذته وانبهار المجتمع الذى يحيطه، وظنت المرأة أنه يهملها وأقسمت مع الشيطان أن يوقعا به؛ فراحت تتخذه معركتها دون رحمة ولا حياء ودون أن يدرى المسكين، نصبت له الكمين وكادت له المكائد. وذات ليلة تسللت له فى غرفة الأطباء وروادته كاشفة عن مفاتنها التى تبعث من فى القبور، إلا أنه قاومها ونهرها بأدب تربى عليه وراح ينصحها حتى غادرت حجرته بعد ان حركت كل سواكنه المسكوت عنها فى رجولته وفحولته.. ولم لا وقد بلغ من العمر الثلاثين وهو رجل متبتل مستقيم الأخلاق تقى القلب يخاف ربه ويخشى عذابه.
توجه الطبيب ليتوضأ وصلى الفجر وراح يباشر مرضاه قبل أن يلملم أشياءه ليذهب لمنزل أسرته.. وبالفعل استبدل ملابسه وعند الساعة الثامنه صباحا غادر المستشفى دون أن يغادر خياله جسد المرأه اللعوب الذى مسته كمس الشيطان.. اتجه نحو محطة الحافلات واختار المقعد الأخير واغمض عينيه، واستسلم لضعفه الإنسانى وعنفوان شبابه وكبته الجنسى ومخزون مغريات العرى هنا ودعوات الهلس هناك.. استسلم لمارد شهوتة الذى قيدته طموحاته العلمية وقيودة الاجتماعية ونوازعه الدينية على مدى سنوات عمره، تحرر من حدود الحلال والحرام والعقل والمنطق.. فخر راكعا دون وعى يلبى نداء شيطانه وسط ذهول وارتباك من فتاة كانت بجواره لم يستح حتى من نهرها له.. وواصل لحظات اللاوعى بحيوانية غير مألوفه وغير مقبولة.. فصرخت الفتاة تستنجد ببقية الركاب بعد تسجيلها لفيديو لحالة الطبيب وهو يتحسس أعضاءه .. وسرعان ما هرع الجميع نحوه بعد توقف السائق بسيارته ليحتشد حول الطبيب ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن يساره رجال ونساء الكل يركله ويضربه ويوبخه ويهينه.. بينما وقف الطبيب فى حاله ذهول بعد أن انصرف عنه شيطانه وانتبه لحماقه فعلته وتصاعدت التمور بتحقيقات الشرطة والنيابة ومن ثم الإحالة للمحاكمة، وفى لحظة فقد الطبيب كل شيء حياته وماضيه ومستقبله وأسرته وووووووبعد أن رفض المجتمع أن يصفح له زلته!!! تلاشت سيرته وسقطت محاسنه ومحيت أمجاده وتحطم مستقبله.
نعم انه لم يغتصب الفتاة ولم يتحرش باطفال ولم يسرق دواء ولا أموال.. لم يبع وطنه ولم يقتل جنديا ولم يبع أسرارا ولم يحرض على فساد ولم يعمل قوادا ولم يستأجر النساء، ولم يقف يتسول بالطرقات ولم يتعر للأجانب ويلتقط الصور بجوار الآثار، وم يقتلع شجرة ولم يبن عمارة مخالفا رخصة البناء ليهدد الأرواح، ولم يجلب الهيروين ليغيب عقول الشباب.. إنه رفض من استدرجته فى الخفاء ولكنه استسلم لشهوته على الملأ فى الطرقات.. إنها لعنة امراه حلت بطبيب غلبان!