العلم والمال بين تنافر وإقبال
د. عادل رفعت الشريف | أستاذ بكلية الألسن جامعة المنيا – مصر
يبدو أن العلم الواسع والمال الجم يتنافران تنافر قطبي المغناطيس فإن تحصل أحدهما ذهب الآخر أو هو أشبه بقانون الحيز فإن امتلأ الدار بالمال نقص العلم منه بمقدار ما امتلأ الدار من ذلك المال ..حتى وإن حصل وكان العالم ثريا بالوراثة يبدأ ماله بالنقصان لانشغاله بعلمه أو بانفاقه عليه وإن آثر ماله على علمه فقد علمه وقد يفقد ماله أيضا لجهله بكيفية إنمائه وفي أحسن الأحوال وأندرها لا يأتي الثراء للعالم من علمه إلا مع أفول نجمه وطي صفحته استعدادا للرحيل. وفي الحديث إثنان لا يشبعان طالب علم وطالب مال وقد يستنبط من الحديث أنهما لا يجتمعان في شخص واحد والشواهد ترجح هذا الاستنباط أما قول شوقي
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك على جهل وإقلال
فالمقصود منه الدول والمجتمعات وليس الأفراد وهو قول حق..أما من حيث التشابه فلم يتشابها إلا في القبيح فالعلم الواسع والثراء العريض كلاهما قد يفتن صاحبه وقد يستخدما فيما هو ضار أيضا ومن العجيب أن كلاهما قد يجلب الآخر لكن بكميات محدودة في المجمل فقد يتعلم الثري وقد يغتني المتعلم
وربما كان ذلك ما رمى إليه شوقي حين قال
العلم يبني بيوتا لا عماد لها
والجهل يهدم بيوت العز والكرم
فالبيوت التي تبنى بالعلم غالبا بناء أكثره معنويا وأقله مادي
أما الذي لا يملك أيا منهما
“فأقم عليه مأتما وعويلا “
أما المال والسلطة ففي ظاهرهما مثنوية توحي بالتصارع وأما في باطنهما فالمال يأرز إلى السلطة والأخيرة تشتهي المال اشتهاء الظمآن للماء البارد في يوم قائظ ثم يأتي هلاك المجتمعات من ذلك الزواج الفاسد
وفي المطلق فإن الاعتدال في كل شيء دنيوي مندوب إليه أما في طلب الآخرة فاركض لها ركض الضواري في البرية.