ذَاتَ قَطْرَةٍ

نزهة المثلوثي | تونس

واقفة في الصّفّ أمام باب قاعة السّنة الأولى قرّرت أن أغيّر مقعدي والمحبرة بعد أن تسلّحت بريشة جديدة، فقد تكون المحبرة سببا في تعبئة  ريشتي أو أن ريشتي القديمة يمتلىء سِنّها المكسّر  حبرا …ليقع على ورقتي فيتسبّب في العقاب اليوميّ المؤلم.

جلست في آخر القاعة حذو ولد كان يبول خوفا عندما تُلَطِّخ قَطَرات الحبر كرّاسي فتعنّفني المعلّمة بضربات قويّة بعد أن تأمرني بمدّ يدي وقَلْبها وجعلها باتّجاهات ووضعيّات مختلفة لِتَهْوي بالعصا الغليظة على أصابعي وأظافري وكفّ يدي ..وتجذبني بقوّة من شعري لتلقي برأسي على المقعد …

فتحت مقلمتي وأخرجت ريشتي الجديدة رفعتها ..فرأيت الجالسين آخر القاعة يشجّعونني بنظراتهم الطفوليّة الحبيبة على مواجهة قطرة الحبر وتحمّل العقاب المرّ، وترتسم على ملامحهم ارتعاشة  حيرة..

فماذا سيكون المآل لوهَزَمْتُ قَطْرة الحبر وسَلِمَتْ صَفٌحَتي … أكيد أنَّهاستمرّإلى أخطائهم بعصاها…

فتحت الكرّاس وغمست الرّيشة الجميلة في المحبرة وقبل أن يلامس سِنّها  أوّل السّطر  وقعت قطرة كبيرة سرعان ما اتّسعت على الورقة حاولت جاهدة إخفاءها فضغطت بورق شفّاف فإذا بها تحوّلت إلى رسم جذّاب بان كأنّه حروف كبيرة امتزجت بأرقام غريبة وأشكال عجيبةانهمكت في توضيحها بقلم داكن غير عابئة بما حولي فلقد جعلني جلوسي آخر القاعة في مأمن من العصا كلّ ذاك الوقت..

رفعت كرّاسي فعضّ الولد  على شفته وقد اتّسعت عيناه مدهوشا…

اقتربت المعلّمة فابْتَسَمْتُ أَجُرُّها إلى الإعجاب بما ارتسم على صفحتي لكنّها هَوَت بعصاها على  كتفي وأصابعي ورأسي فسقطت الرّيشة وانقلبت المحبرة التي فاض حبرها وسال على المقعد ثم تصاعد سيله في قاعة الدّرس..

خرجتُ بسرعة مع الخائفين  وأغلقنا الباب بدفعة واحدة

ثم وقفنا على مقعد قديم في السّاحة بعد أن صعد  أحد الأولاد إلى النافذة العلويّة..وشرع يبول في السّيل المرتفع ثمّ قال ضاحكا ” إنّها تصارع الحبر إنّها تسبح..هاهاها  لقد لطّخ الحبر وجهها  وبلّل شعرها ..إنّها سَتَهْلك …”

ثم أغلق النّافذة وأردف  ” هيّا نخرج إلى الشّارع أسرعوا ..”

ولما وصلنا الباب وجدناه محكم الغلق ..

كيف سنخرج  من هنا يا للورطة !  لقد أغلقنا باب القاعة ولم نستطع فتح باب المدرسة فقال صديقنا  “هيا نقفز بسرعة لنصعد السّور…”

قفزنا فَوَقَعْتُ وشعرتُ بأَلم شديد دفعني الى الصّراخ والأنين ….

فتحت عيني بعد إغماءة فوجدتني رأسي على المقعد حذو المحبرة والمعلّمة تقبّل جبيني وتسلّمني صورة فراشة ودمية صغيرة من الورق الملوّن كنت أفرح حين تلصقها  على السبورة أثناء الدّرس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى