لكلّ جواد كبوة ولكلّ فريق هفوة
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر
الأسد قد يبكي، والجواد قد يكبو، والسّيف قد ينبو، والفريق قد يهفو، والشّجاع قد يقهر، والقويّ قد يصرع…وما يصيب المرءَ من ضرر قد يكون نافعا له، أي (ربّ ضارّة نافعة)، يحدث الضّرر ليهيّئ الفرصة للنّفع والظّفر.. ففي الضّرر الذي لحق منتخبَنا في دورة كأس إفريقية نفعٌ له للاستعداد الجيّد لـما ينتظره في التّصفيّات المؤهّلة لنهائيّات كأس العالم..
إنّ في الحياة فرصًا للانتصار وأخرى للانكسار، والفشل – كما يقول العلماء –نجاح مؤقّت؛ يُعِدّ لانطلاقة جديدة قويّة للحصول على الفوز الكبير والنّصر القويّ، إذا درس هذا الفشل جيّدًا، في أسبابه وعوامله والظّروف التي حصل فيها.. كما أنّ الاستمرار في الانتصارات المتتابعة من دون انهزام، قد يزرع في النّفس الثّقة المبالغ فيها، وقد تنتقل وتصلبصاحبها إلى حدّ الغرور.. ما يحمله على التّراخي والتّسويف والاستهانة بما يطرأ في مشاهد الحياة ممّا لا يسرّ، كما قد يؤدّي إلى التّعالي عن الآخر، وفي هذا ما يَضُرّ.. فتأتي الهزيمة محطّةًمهمّة، يقدّرها الله العليّ الحكيم العليم على الإنسان،لتنمحه فرصًا للابتعاد عن هذه الأدواء والأمراض النّفسيّة القاتلة للهمم والقيم والشّمم.
ما حدث لمنتخبنا الوطني اليوم، وفي دورة كأس إفريقية في الكاميرون من نكسة وخيبة أمل، فخسر الرّهان للتّأهّل للدّور الثّاني من نهائيات كأس إفريقياللأمم، وعدم المحافظة على لقبه القاري؛ بطلا لإفريقيا الذي حصل عليه بجدارة سنة 2019م في القاهرة,, يندرج في هذا السّياق.. فلا يجب الحزن والتّأسّف على هذا الإخفاق، والمحافظة على الاستحقاق، ولا يجوز إظهار الجزع والقلق على هذه الانتكاسة، ولا ينبغي الانقلاب على لاعبينا ومسؤولينا وعلى أنفسنا بالتّعيير والثّلب واللّوم والتّنديد.. فهذا الصّنع ليس من شيم الرّجال، كما لا بحوز التّنكّر لأصحاب الأفضال والغدر بما حقّقوهللجزائر الحبيبة قبل الانهزام وعدم تحقيق الآمال..
بل يجب البقاء في خطّ الوفاء للاعبينا ومدرّبهم المتميّز ومسؤوليهم..بما حقّقوه في الميادين التي خاصوا فيها مغامراتهم، وللأرقام القياسيّة التي دوّنوها في سجلّ منجزاتهم الكرويّة، ووقوفهم في موقف النِّدّيَّة مع عمالقة كرة القدم في العالم..فرفعوا بها رأس الجزائر عاليا في الأوساط الرّياضيّة، ما أضاف لوطنهم قيمة معنويّة وقوّة إضافيّة.
يجب الاستمرار في الدّعم والتّشجيع والاعتزاز بقوّة المنتخب؛ للوقوف أمام شماتة الأعداء، وردّ كيد السّفهاء، الذين فرحوا ويفرحون لانهزام الجزائر من دون حياء، فهم من الصّنف السّيء الذي وصفه القرآن، الذي يفرح للشّرّ يصيب النّاس، ويحزن للخير ينالهم..:)إِنْ تمْسَسْكُمْ حسنةٌ تَسُؤْهُمْ وإِنْ تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بها… ((آل عمران/ 121)وقد بدا هذا المكر بمنتخبنا في الظّروف السّيّئة التي هُيِّئَت له ليخوض بها وفيها مبارياته، قصدًا لتحطيمه والنّيل من سمعة الجزائر معه.. التي كانت غصّة في حلوق الجبناء والمغرضين والمستهترين بقيمنا ومقومّاتنا، التي تنكّر لها ذوو قربانا، وقدّموها قربانًا لأعداء الأمّة الإسلاميّة، فانسلخوا من جلدتهم ولبسوا أثواب أعداء الحريّة والعدل والإنصاف.. نقول لهؤلاء ما قال الشّاعر:
جَزَى اللهُ الشّدائِدَ كلَّ خيرٍ
عرفتُ بها عدُوّي من صديقِي
بما أنّ الجزائر لا تقف في صفّهم، بل تحارب فيهم هذا التّطبيع وهذا الانبطاح، فيجب أن يعادوها ويغدروا بها، ويكيدوا لها كيدً عظيمًا، بكل ما أوتوا من مكر وغدر وخيانة، وفي أضعف الإيمان أن يفرحوا لهزيمتها ولو في كرة القدم..
هكذا يتصرّف المغرضون، هكذا يفعل السّفهاء.. فيجب أن نقف منهم مواقف مضادّة، نلتفّ حول جزائرنا الحبيبة في كلّ مجال ومحطّة وفرصة وعمل.. من هذه الميادين الرّياضة. نريد لجزائرنا أن تكون قويّة في كلّ مجال وفضاء وحلبة ومساحة، ومضمار منافسة وإثبات وجود… في الدّين والأخلاق والعلم والفكر والتّكنولوجيا والاقتصاد والاجتماع والسّياسة والرّياضة..
بهذه الرّؤية والنّظرة والمعتقد.. نضمن لجزائرنا الحضور القويّ والدّائم في كلّ مكان وزمان، ونضمن لها هيبتها وكرامتها وقوّتها، ونضمن لها ريادتها في الميادين التي تخوضها.. يتحقّق كلّ هذا بالتّلاحم الذي يجب أن يكون بين أبناء الشّعب الواحد، في السّرّاء والضّرّاء، في اليسر والعسر، في النّصر والهزيمة.. ونقول أخيرًا لمنتخبنا الكبير ما قاله شاعر النّيل حافظ إبراهيم:
لا تَيْأَسُوا أَنْ تسْترِدُّوا مَجْدَكُمْ
فَلَرُبَّ مَغْلُوبٍ هَوَى ثُـمّ ارْتَقَى
الجزائر يوم الخميس: 17 جمادى الثّانية 1443هـ