خربة الشيخ أحمد عزف جديد منفرد وقفز على المفاتيح الموسيقية السائدة
بقلم : أحمد خميس
يرى الدكتور وليد سيف أن السير الروائية فريدة كيفما كانت وإن خلت من الاحداث الكبرى والمنعطفات الصادمة والتحولات و الأسرار الخبيئة واحتوائها على كل ما ذكر لا يجعل منها بالضرورة مادة للكتابة.
مناط الأمر كله يعود الى كاتبها وقدرته في تحويلها إلى حدث يستحق الذكر ونص أدبي ذي قيمة فنية وإنسانية.
وهنا سأعرج للحديث عن عيسى الشيخ الحسن الكاتب الذي أمتلك زمام الأمور في حدث فني مختلف من حيث المفردة والصورة والنفس الروائي القادم من غياهب روح تفيض شعراً.
يبدو وأن الأمور وصلت ذروتها وحددوها القصوى وكبرت حقيبة الذكريات ولم يعد الممكن على شخص واحد بكتفين اثنين فقط حملها والمضي أكثر لذلك أراد عيسى الشيخ حسن فرد حقيبته ومنحنا شيئاً من هذه الذكريات سيما وأننا نعيش في عصر خواءنا الروحي الأكبر.
وأتحدث هنا عن سلوكيات الشخصيات في هذا النص البديع فما أجمل أن تعود بذاكرتك وأنت القارئ اللاجئ المخذول المبعثر ما بين ثلوج البرد وقحط والذاكرة فترى ” الحصيرة المصنوعة من أكياس السكر والسماد!”
ما أقساها وألينها على النفس ” أن ترى رؤى قلب وعين ذلك” الدوّاج المصري حاملاً على ظهره المّاعين وفناجين الودع وليف الحمام”
خربة الشيخ أحمد حكاية من ربوع الجزيرة، بسيطة إلى الحد الذي يضعك كاتبها على مفترقات طرق تنتهي كلها بحتمية ابتلاع هذه السرديات المنقوعة بالفرات والخابور، المجبولة بتراب خربة الشيخ أحمد وتبن الصفرة، المنفتحة على كروم العنب والأشجار الوافرة هناك حيث شمال الغرب في ادلب وقراها.
في هذا النص الذي ابتعد فيه الكاتب عن الترف والزخرف اللغوي أحياناً وفخخ به نصه أحيانا أخرى رائحة أهلي بمعنى الكلمة وهنا أتحدث بصفتي قارئ مجرد من أدوات النقد، أعزل دون مشارط التشريح الأدبي.
نعم شربتُ الشاي رفقة الحج عبد اللطيف وأكلت الدبشي رفقة حسنة ودحام.
” ول يما ما سويتنا شاي”
كم رقيقة هذه الجملة لمن يتفكر! رقيقة تتجاوز رغم بساطتها حدود اللغة والدلالات ما بين اللفظ ومعناه.
رقيقة لأنها تحملك على صهوة ذاكرتك وهودج حنينك المتهالك إلى بلاد كانت فيها ظرفنا مليان كما قال راويها.
في هذه الخربة كونتا كنتي الذي لم تقلّه سفن العبيد من أفريقيا إلى أميركا والذي عاد يوماً إلى غامبيا في رحلة البحث عن الأصول، هنا ياسين عبد العليم هذا الأشقر الأجوف الذي عيّرته أم حبيبته كونها “
لا تعرف قرعة أبيه من وين”
ياسين لم يحمل ملامح إليكس هايلي بل حمل ملامح أهله وأخوال أمه لكن تحامل على الهم عينه ورحلة البحث ذاتها.
الخربة رواية سورية عالجت مواضيع عدة وطرقت عدة أبواب لربما كانت موصدة إلى فترة ليست ببعيدة انطلاقاً من الثأر والحيار والتبنّي وانتهاء بالكرم والأصالة والعنفوان.
“حين كان طرفنا مليان”
طرفنا ليس بملآن يا صديقي، إنه خاوٍ، وإننا نتضور جوعاً وبرداً وقتلاً كل يوم