الضرائب وآثارها على الثقافة والإنتاج الثقافي
شيخة الفجرية | كاتبة عمانية
تعدُّ الضريبة فكرة أساسية في بناء الدول،بدأت بأصحاب الأموال الذين يعهد إليهم تأمين تمويل برامج الدولة في عهود وعقود بعيدة ومختلفة، ففي العرف الدولي،كانت الضرائب موردًا من موارد الدولة الثابتة، يقرها البعض ويجعلها البعض حسب الحاجة إليها، لذلك ورد ذكره في النظام الأساسي للدولة في سلطنة عُمان؛ بأن: ” الضرائب والتكاليف العامة أساسها العدل وتنمية الاقتصاد الوطني”، وعليه تم تطوير النظام الضريبي في السلطنة خلال عدة مراحل؛ هي كالآتي:
1ـ في عام 1971م صدر أول قانون لضريبة الدخل في السلطنة.
2ـ في عام 1981م صدر قانون ضريبة الدخل على الشركات وفقا للمرسوم السلطاني رقم 47\1981 ليحل محل قانون الدخل الذي صدر قبله بعشرة أعوام.
3ـ في عام 1989م قانون ضريبة الأرباح على المؤسسات وفقا للمرسوم السلطاني 77\89 بشأن فرض الضريبة على المؤسسات الفردية التي يمتلكها شخص طبيعي سواء كان عمانيا أو أجنبيا، ولكن لم يتم التطبيق الفعلي للمؤسسات العمانية إلا عام 1994م وتم تطبيق أحكامه فقط على المؤسسات الصناعية والتجارية.
4ـ في عام 2009م صدر القانون الجديد لضريبة الدخل بناء على المرسوم السلطاني رقم 28\2009 وتم تطبيقه فعليا عام 2010 م.
5ـ في عام 2021 تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة.وفي ذات السياق يأتي معنى مفهوم الضريبة في اللغة:
فالضريبة مشتقة من الفعل ضرب، وهي ما يفرض على المِلك والعَمَل، والدخل للدولة، وتختلف باختلاف القوانين والأحوال[1].
الضريبة في الاصطلاح:
هي إيرادًا للدولة، وتستعمل في تغطية النفقات العامة، والوفاء بمقتضيات السياسة المالية العامة للدولة [2]. فهي فريضة مالية يدفعها الفرد إلى الدولة مساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة بصفة نهائية دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل الضريبة [3].
وعرفها البعض بأنها: ما تفرضه الدولة لمقابلة الكوارث العامة كالفيضانات والزلازل، والمجاعات، تستوفيها من الأغنياء حسب مقدرتهم المالية [4]،وتاريخيًا فإن الضريبة عرف قديم، فقد استعملها قدماء اليونان حيث فرضت حكومة الجمهورية في أثينا ما نسبته 2% تسمى ضريبة البضائع والمحاصيل الأجنبية، وكذلك شيد الفراعنة في مصر، نظام ضرائب خاصًا بهم، كما فعل ذلك الفرس والرومان، وقسمت الضرائب إلى مباشرة وغير مباشرة تشتمل ضرائب الجمرك [5].
أما الإنتاج الثقافي الذي يمكن للضرائب أن تؤثر سلبًا وإيجابًا (إن وجد)، فـ”تعرّف اليونسكو الثقافة على أنها مجموعة متنوعة من الخصوصيات الدينية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً معيناً أو مجموعة معينة، لا تشمل الفن والأدب فقط، بل أنماط الحياة وطرق العيش المشترك، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات (اليونسكو، 2001)”[6]، و” تمثل المجالات الثقافية التي تم تعريفها في إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية مجموعة مشتركة من الأنشطةالاقتصادية (مثل إنتاج السلع والخدمات)، والاجتماعية (مثل المشاركة في الأنشطة الثقافية) التي جرت العادةعلى اعتبارها «ثقافية». بالإضافة إلى ذلك، تتكون المجالات ذات الصلة من الأنشطة الاقتصاديةوالاجتماعية الأخرى التي يمكن النظر إليها كنشاطات «ثقافية جزئياً»، أو التي تعتبر في أغلب الأحيان علىأنها «ترفيهية أو للتسلية» وليست «ثقافية محض»”[7].
وفيما يختص بسلطنة عُمان فإن مجال التأثير قوي ومنهك مقابل إنتاج ضعيف ومردود أكثر ضعفًا، فالإنتاج السينمائي والمسرحي والتلفزيوالإذاعي من أضعف الصناعات الإنتاجية، التي تكاد تنعدم لسنوات طويلة في البلاد، وفرض الضرائب عليها سيعمل على إنهائها وقتلها، إن لم تجد الدعم المناسب، الذي يعطيها القوة بقدر ما تعطي من هذه الضرائب. فالإنتاج السينمائي ضعيف وينحصر في الأفلام القصيرة جدًا، إنتاجها يقترن بدعم ضئيل من الجمعية العمانية للسينما، ولولا هذا الدعم الضئيل فلن يكون هناك إنتاج سينمائي للأفلام القصيرة جدًا، أما الأفلام الروائية الطويلة، فلا يوجد لها ذكر في المحافل السينمائية ولافي صالات السينما التجارية العمانية، بينما الدراما التلفزيونية فقد تم محاصرتها بعد انطلاقة كبيرة وها هي الآن بعد توقف أعوام تعود خجولة بعمل واحد وحيد فقط. فما الذي يمكن لعشرات شركات الإنتاج فعله في هذه الحالة؟في المقابل تتكدس النصوص لدى الكتَّاب العمانيين الذين تتعطل مواهبهم في الكتابة الدرامية بتوقف عجلة الإنتاج.
وينسحب هذا الفعل والنتيجة على كل ما يندرج تحت المفهوم الفني كذلك، فالفن لغة: كما حددهُ (جوزيف كوزوث –Joseph Kossuth) هو نقطة التقاء بين عدة مناهج اتصالية تلتقيان عن طريق الكتابة – الوسيلة التي تجعل الكلمة مرئية – أي أن الفن انتقل من شكل اللغة إلى اللغة نفسها يقول( كوزوث) : ” أن الفن لغة، وأن الأعمال الفنية كانت حروف جر بالنسبة للغة “([8]).و” بدون لغة ليس هناك فن “([9]).
ومع تزايد الوعي والحاجة إلى سياسات فاعلة حول التنوع الثقافي، ينبغي انتشال المفردات الثقافية في عُمان من وحل الخسارات المتتابعة والمتتالية بسبب ضعف وانعدام الدعم وضعف الإمكانيات، كما ينبغي التخطيط الخَلَّاق لتحول هذه الخسارات إلى نجاحات كبيرة، تتحول وتتطور معها المفردات الثقافية إلى مجالات أخرى، فالتطور في الدراما السينمائية والتلفزية يوجد تطورًا في السياحة المكانية، ما يلبث التطور الدرامي إلى أن يعد البلد لمرحلة المهرجانات الدرامية، التي تعد رافدًا من روافد الثراء الثقافي والمالي.
يتفق العالم كله، أن الضرائب رافد مهم جدًا وأساسي في بناء البلدان، ولكن على الحكومة أن تدفع للمؤسسات والمكونات الثقافية للنهوض بها ولجعلها مساهمًا فاعلًا في رفد الدولة بالضريبة، شرط أن تكون هذه المكونات الثقافية تستطيع دفع الضريبة بشكل مستمر، وليس لفترة بسيطة نتيجة توفر مبلغ ما ثم يتم إغلاقها بسبب عدم قدرتها على تسديد الضريبة. ومن هذا المنطلق، نظم النادي الثقافي جلسة حوارية بعنوان: “الضرائب وآثارها على الإنتاج الثقافي”جلسة حوارية معالدكتورة هداية بنت مصطفى اللواتية يدير الجلسة: الإعلامي يعقوب بن سليمان المعمري، الذي بدأ مداخلته بالقول للمتحدثة في الجلسة: “يتفق البعض على مسألة تطبق الضرائب سواء كانت على الأفراد أو الشركات والقطاع الخاص، ولكن يختلف في مسألة التوقيت الصحيح لتطبيق الضرائب، فمن واقع تجربتك واطلاعك على تجارب الدول المختلفة في هذا الجانب، ما هو التوقيت الصحيح لتطبيق الضرائب، سواء على الأفراد أو الشركات والمؤسسات؟
لترد عليه الدكتورة هداية بنت مصطفى اللواتية قائلة :”في مبادئ حسب المعايير الدولية لازم تطبق، وما يصير الحكومة تفرض الضريبة بدون ما تحقق هذه القواعد، وواحدة من هذه القواعد هي قاعدة “اليقين والوضوح”، وقاعدة اليقين والوضوح هي:”أن تكون الضريبة محددة في وقت محدد في تاريخ محدد وهذا التاريخ يجب أن يفصح عنه في القوائم المالية”والقاعدة الأخرى هي “قاعدة المساواة والعدالة”وهي: أن كل المؤسسات الربحية بدون استثناء يجب أن تدفع الضرائب حسب مقدرتهم، محسب الربحية داخل كل مؤسسة، على أن تجبى الضريبة في الأوقات المناسبة للمؤسسات” قالت: ” للضريبة العديد من الأهداف: أهداف اقتصادية، منها تنويع اقتصاد الدولة، وتنمية النشاطات الثقافية والاجتماعية”، بعد انتهاء الجلسة الحوارية، أتيح المجال أمام الجمهور، ليسألها أحد الحضور بعد أن عرج على آثار الأزمة الاقتصادية على السلطنة والعالم قائلًا: هل هذا فعلًا التوقيت المناسب لاجتراح مثل هذه التشريعات “يقصد الضرائب”؟فأجابتالدكتورة هداية:” طبعًا أنا كأكاديمية، من خلال قراءاتي، أن حكومة سلطنة عمان، حين أقرّت الضرائب، لم يأتي القرار من عبث، بل من خلال دراسات أقامتها ونتجت عنها توصيات “.وعن سؤال أحد الحضور عن توقيت الضريبة التي بدأت في ظلِّ أزمة اقتصادية خانقة، فهل ستنتهي بانتهاء هذه الأزمة، فأجابت: أن الضريبة وجدت “على مبدأ الاستمرارية”.
ومبدأ الاستمرارية في الأخذ، يجب أن يقابله مبدأ الاستمرارية في الدعم والعطاء للمجال الثقافي بكافة تشكيلاته وأنواعه، فالعطاء سيجعل للثقافة وهجًا قائمًا بذاته، سيعمل القائمين عليه والمستفيدين من وهجه على المحافظة عليه والاستمرار في اشعال هذا الوهج، حينها فقط يمكننا الحديث عن مقدرة الإنتاج الثقافي على التأثير في المساهمة في الضريبة ودخل الدولة، كما هو الحال في بقية البلدان.
المراجع:
[1]-المعجم والوجيز، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار)، دار الدعوة،مصر، ص 379.
[2]– غازي عاية، الزكاة والضريبة،دار إحياء العلوم، بيروت، 1995، ص 17، انظر: عبد الهادي النجار، مبادئ الاقتصاد المالي،دار النهضة العربية،القاهرة، ص155. – عطية عبد الحليم صقر، الازدواج الضريبي في التشريع المالي الإسلامي والمعاصر، بدون دار نشر، القاهرة، بدون سنة، ص 4.
[3]– علم المالية العامة للدكتور زين العابدين ناصر، مأخوذاً من Bastable: Public finance p243
[4]محمد الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، ص 327
[5]عاطف صدقي، مبادئ المالية العامة، 1/148،- محمد عبد المنعم الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، ص 289.
[6]إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية، معهد اليونسكو للإحصاء، إصدار 2009م،صفحة 9.
[7]إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية، معهد اليونسكو للإحصاء، إصدار 2009م، .صفحة 10.
[8]– Wolker , John , Art Science pop , thomes and hudso , ltd , London .1975, p : 55.
[9]– Walker , John , Art since pop op . cit . p: 54 .(منقول)