ما المقصود بتجديد الخطاب الديني؟!
د. طارق محمد حامد | أكاديمي مصري
الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله و بعد: فلقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ما يعرف بتجديد الخطاب الديني في وسائل الإعلام و علي ألسنة الكتاب و المفكرين. و في تصوري أنه خلط بين الحق والباطل إذا كان المقصود بتجديد الخطاب الديني هو نزع الدين من أصوله و ثوابته و قيمه لصالح مشاريع العلمانية و الليبرالية و أصحاب المنهج التغريبي علي حساب الهوية الإسلامية و صبغ المجتمع بصبغة فصل الدين عن الدولة و السياسة و هذا نوع من الضرب تحت الحزام و في الأصول و ليس الفروع لأن أزمة الأمة ليست أزمة نصوص و موروث فكري أدي إلي التطرف الفكري و الإرهاب الذي تتبناه جماعات إرهابية مسلحة أمثال داعش و التي تعد صناعة مخابراتية صهيوأمريكية لتدمر نسيج المجتمع العربي و تطبع طابع الإرهاب علي الإسلام والمسلمين.
لكن الأزمة هي أزمة وسائل و أفكار سواء في فهم النصوص و الإجتهاد في استنباط الأحكام منها أو توظيفها في كل ما يتولد في المجتمع و يعن للأمة من جديد علي كافة الأصعدة كذلك في تبسيط الخطاب الديني و إيصاله لعموم المسلمين بالفهم الوسطي بعيدا عن التطرف الفكري و أزمة وسائل في تجديد الخطاب الدعوي و صناعة رموزه و مفكريه و مجابهة الفكر بالفكر و الكلمة بالكلمة.
و من أهم مظاهر تجديد الخطاب الديني كما يروج له المغرضون و دعاة التغريب و أرباب الحرب علي الإسلام و الهوية الإسلامية و التي تشي بأن المقصود منه التدمير و ليس التجديد ما سنتعرض له في المفردات التالية:
(1) إباحة الربا
و ذلك بتغيير المصطلحات من لفظ الربا إلي الفائدة و شهادات الإستثمار و إطلاق لفظ المعاملات الإسلامية علي المعاملات الربوية للبنوك إلي غير ذلك من إلباس الباطل ثوب الحق و تلبيس الأمر علي المسلمين بحيث يستثيغوا هذا الأمر و لا ينكرونه مطلقا.
(2) منع تعدد الزوجات إلا بموافقة الزوجة الأولى، فحظروا ما أباحه الله تعالى
وأينما وجدت المصلحة فثم شرع الله عز و جل و في هذا التشريع من المصالح ما لا يحصي و أثره علي استقرار المجتمع المسلم و تنميته و تنمية الموارد البشرية في المجتمع و هذا تفصيل هذه المصالح في تفسير آية التعدد في سورة النساء من تفسير التحرير و التنوير لمحمد الطاهر عاشور :
( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ) [سورة: النساء (3)]
شرع الله تعدّد النساء للقادر العادل لِمصالح جمّة : منها أنّ في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها، ومنها أنّ ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هنّ أكثر من الرجال في كلّ أمّة لأنّ الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة ، ولأنّ الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء، ولأنّ النساء أطول أعماراً من الرجال غالباً ، بما فطرهنّ الله عليه ، ومنها أنّ الشريعة قد حرّمت الزنا وضيّقت في تحريمه لمّا يجرّ إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات ، فناسب أن توسّع على الناس في تعدّد النساء لمن كان من الرجال ميّالاً للتعدّد مجبولاً عليه ، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلاّ لضرورة .
و قد ادعوا ذلك و دعوا إليه بحجة حقوق المرأة و من المعلوم بالضرورة أن الشريعة الإسلامية هي التي حررت المرأة و أعادت لها حقوقها التي قررها الشارع الحكيم و منعها البشر بتعنتهم.
(3)اعتبار حجاب المرأة مسألةَ حريةٍ شخصيةٍ، لا أمراً شرعياً، فالتقاليد والأعراف تحكم لباس المرأة وليس الشرع.
و تم لهم ذلك علي مراحل دشنها قاسم أمين و هدي شعراوي و التي خلعت حجابها علي سلم الطائرة قبل السفر لأوروبا و من قبل كانت ذات تدين و بكتابات قاسم أمين في كتبه تحرير المرأة و المرأة الجديدة ثم عقد المقارنة بين الحجاب و النقاب و أيهما فرض و أيهما فضل و لعبت الجماعات المتسلفنة دورا فاعلا في ذلك الأمر و بثت البلبلة و الإلتباس لدي المسلمين و تزامن ذلك مع غرس الكراهية داخل الناس من خلال أفلام الإرهاب و وصم ذوي اللحي و النقاب أو الحجاب بالإرهاب و التطرف كذلك ظهور الرموز الدينية المصكوكة علي أيد العلمانية في وسائل الإعلام بلا لحي و علماء الأزهر من السيدات بحجاب مودرن يتنافي مع شروط حجاب المرأة الشرعي الذي فصله الشرع و بهذه المراحل تحقق لهم ما أرادوا و ذلك بغرض استغلال المرأة في هدم الأسرة المسلمة و التي هي إحدي دعائم المجتمع المسلم الصحيح و بث الميوعة في طبقات المجتمع ليتسني لهم هدمه و تدميره و السيطرة عليه.
(4)اعتبار الحدود الشرعية لا رحمةَ فيها، فضلاً عن تشويهها للمجتمع، فيجب إعادة النظر فيها
من قطع يد السارق و رجم الزاني المحصن و جلد شارب الخمر و قاذف المحصنات الغافلات المؤمنات و قتل القاتل حدا إلي غير ذلك من الحدود و بذلك عطلوا شرع الله عز و جل الذي أنزله الله تعالي رحمة للعالمين و وقاية و حماية و سياجا يعصم المجتمع من الانفلات في طريق الهاوية إذا ابتعد عن شرع الله و منهجه.
(5)إلغاء آيات الجهاد من كتاب الله عز وجل، لأنها تدعو إلى الإرهاب والعنف في عالمٍ ينبغي أن يسوده السلام الذي يريدون.. و هذه دعوة غربية علمانية سافرة من باب تجفيف منابع الإرهاب و التطرف .
(6)إلغاء حكم القوامة للرجل على المرأة في زمن خرجت فيه المرأة للعمل وتعلمت وحصلت على أعلى الشهادات العلمية، فلا مجال للحديث عن قوامة الرجل التي جاء بها القرآن الكريم في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [سورة النساء الآية34].
(7) تغيير مناهج التعليم طبقاً لسياسة تجفيف المنابع الدينية عند الناس و الهجمة علي الأزهر و رموزه المعتدلة و كذلك إزالة آيات الجهاد و الآيات التي تتعلق باليهود و النصاري من مناهج التعليم العام بل و إلغاء مادة الدين بعد التسفيه من قيمتها و عدم إضافتها لدرجات المجموع و إحلال مادة الأخلاق محلها و إلغاء معاهد إعداد الدعاة و حصر الدراسة في الجامعات الشرعية بالأزهر التي تدرس الوسطية في المناهج الإسلامية و إقتصارها علي خريجي المعاهد الأزهرية فقط و إخضاع الأئمة والدعاة والخطباء لاختبارات أمنية ومتابعات مخابراتية و ذلك لتنمية الفكر الوسطي عن الإتصال بالجماهير.
(8)إغراق المجتمع في الفسق والرذائل الأخلاقية وتوسيع دائرة الانحلال الخلقي من خلال الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى ذلك.
(9)نشر الكتب ذات الثقافة الغربية والتي تطعن في دين الله مع تكريم أصحابها ومنحهم الجوائز العالمية على فعلهم الفاضح
(10) السخرية و التسفيه من الرموز الإسلامية في الأفلام و المسلسلات و إظهاره في مظهر المتفيهق المتخلف و الغير ملم بمفردات العصر الحديث و إظهار تناقض ما بين التدين و السلوك.
وخلاصة الأمر أن مصطلح ”تجديد الخطاب الديني”، من المصطلحات التي اختلط فيها الحق بالباطل، وأن عبيد الفكر الغربي، يريدون بهذا المصطلح تغيير ثوابت الدين الإسلامي وأصوله، بحجة جعل الإسلام متلائماً مع ظروف العصر. وأما دعاة الإسلام وعلماؤه وفقهاؤه، فيقصدون بالتجديد، تحديث وسائل الدعوة إلى الإسلام، أو بيان حكم الإسلام في النوازل المستجدة، ونحو ذلك من المعاني الشرعية. وأن التجديد بمفهومه الشرعي الوارد في السنة النبوية، هو تبيين السُنَّةَ من البدعة، ونصرة أهل الإسلام، وإحياءُ ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة. وأن المجددين لدين الإسلام، هم أهل العلم خاصةً ومَنْ ينصرون الإسلام عامةً من القادة والخلفاء، وأن القصد من التجديد هو إصلاح الفكر الديني لدى الأمة، وتوعيتها بدينها الحق، وشرح أحكام الدين للناس بطريقةٍ صحيحةٍ بناءً على الأسس والثوابت. وأن التجديد الحقيقي هو إعادة الدِّين لما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وأن المقصود المنحرف للتجديد كما يريده أعداء الإسلام، هو هدم ثوابت الدين، فهذا تخريبٌ وليس تجديداً. والتجديد بهذا المعنى كلمةُ حقٍ أُريد بها باطل.