قراءة في رواية: ” كاتوشيا ” لـ ” وحيد الطويلة “
أسماء نور الدين | القاهرة
كتابة مختلفة بقلب إمرأة وعقل إمرأة وفكرة إمرأة، كتابة عن أسرار تخبأها النساء تحت جلدهن وبين مقتنيات حقائبهن، كتابة عن التفاصيل المرهقة، الإهتمام الزائد، كتابة بالتفاتة رمش، ودقة زائدة عن ال 72 دقة فى الدقيقة الواحدة لقلب إمرأة، كتابة عن الكتابة التى هي مخبأ شرعي للأنثي، وعلاج قاطع نافع لجراحها العميقة، كتابة بنكهة الروج المفضل لرشيد، والعطر المحبب لمشيرة، كتابة بمخالب حادة لأمراة مجروحة، كتابة شقت عتمة الخيانة وبددت ظلامها لنور فى براح سطور رواية كاتوشيا..
هذا هو العمل الثالث الذي أقرأه لنفس الكاتب، كاتب عبقري يغير جلده فى كل عمل، يحرص على تغيير أسلوبه في كل رواية، حذاء فيللني غير باب الليل أما كاتوشيا فقد تعدي الإبداع بمراحل عديدة.. لقد هُزمنا من الأصدقاء، من الأحبة، والأقرب إلي قلوبنا، ومِن مَن كُنا نظن بهم خيرًا .. لم تأتِ هزائمنا أبدًا من الأعداء .
• دوستويفسكي..
كاتوشيا أغنية حب أم إنتقام
لقد غنت الحبيبة هذه المقطوعة لحبيبها فى الحرب، ولكنها لم تكن تعلم أن اللحن والكلمات قذائف مدوية أستعملها الكاتب لكن بيد البطلة، اتحدي أن يفرق القارئ بين الحقيقة والخيال، بين الكاتب فى هذا العمل وفى عمل آخر كحذاء فلليني أو باب الليل.. البداية سحب الكاتب فتيل القذائف بجملة واحدة ” أحب واحدة غيرك” “وهي كمن داست على لغم”.. وترك القذائف فى وجه مشيرة، التى حملت بداخلها ملامح تتأكل لحكايتها مع رشيد، ظلت تأكل جسد العلاقة وهي تحاول إنقاذها، العتاب لن يجدي، المواجهة مستحيلة، الخوف يهرول مسرعا ليحفر ندبة فى كل ذرة من جسدها.. مشيرة اعتصمت بجدار الكتابة، وغاصت فى خندق النفس البشرية للابطال، وبدلا من أن تقذفها وتدمرها البداية، ارتدت القذائف فى وجه رشيد فى صورة رواية مكتملة الأركان إلا من عنوانها، يالا ذكاء النساء حتى وإن كانت مقهورة…
الإهداء
جزء لا يتجزأ من العمل، اختاره الكاتب بعناية، للنساء وبيد النساء:
“مرعوبة حتى العظم من أن أكون
زوجة أحد ما
لاسيما أني تعلمت من الحياة
أن الشخص لايستطيع أن يحب
شخصا واحدا طوال العمر.
إنها الحياة، وأنا على جانبيها، كمن يبقي معلقا نحو الهاوية، نحوك، فشدني إليك.
العاشق الحق هو الذي يثيرك ولو بمجرد لمس رأسك أو بإبتسامة في عينيك، أو بمجرد التحديق في الفراغ..
مارلين مونرو
تعلم أن حديثا بيننا لا ينقطع.
بالأمس قرأت عن رجل بلا ذاكرة،
كل ما يراه، يراه للمرة الأولى، أظن أني أحسده بشدة.
أود لو أحبك من دون ذاكرة، إلا تلك التي تحفظ حبكَ..
ضي رحمي..”
من شظايا الحكايات جاءت الفكرة
الفكرة:
تبدو من الوهلة الاولى عادية، من شظايا الحكايات، خيانة تحدث كل يوم، تقليدية، لكن مع كاتب ماهر فى الحكي، بارع في الغوص حتى الأعماق، أصبحت فكرة مجنونة، شيقة، وكأنه يقود على سرعة 160..
لقد استثمر الطويلة حكايات كثيرة فى هذه الرواية، حكايات قد نسمعها فى المقاهي، أو فى جلساتنا مع الأصدقاء، كما أؤمن أن الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، لقد وجد الطويلة حكايته وانتشلها وحولها إلى جوهرة يتهافت عليها القراء..
اللغة والأسلوب:
يبتكر الكاتب في اللغة لقد وصل إلى معاني وتعابير جديدة فى القهر والظلم، جعلني أعود وأقرأ مشاهد بعينها مرة واثنين، لغة سلسة تتغلغل في الأعماق، تثير الفضول، وشيقة ورشيقة.. الأسلوب يبرز الكاتب الحقيقي، يتميز أسلوب الكاتب بالسهل الممتنع، أحيانا فى التنقل بين المشاهد اتسائل كيف فعل ذلك؟ من أين جاء بطريقة الربط؟
الحبكة:
متشابكة تصاعدية، بدأت من العقدة إلى أن وصلنا للذروة، ثم لحظة الاستنارة، لقد وقعنا في فخ الطويلة بإرادتنا أو رغما عنا.. لقد بدأت رحلة البحث عن العشيقة من الصفر، لم تكن مهمة مشيرة سهلة بل كانت مستحيلة فى حالة كسر الهاتف وغيبوبة رشيد..
النهاية:
عبقرية، على عكس سير الأحداث، وتوقعات القارئ، وكأنه يصفعنا على وجوهنا ويضحك ملئ فيه وهو يرانا نضرب كفا بكف..
الغلاف:
تحية لمن صمم غلاف كاتوشيا باللون الاحمر الناري، والحذاء (البوت) الخاص بالنساء وليست اى إمرأة من تفضل هذا الحذاء، مع وجود زهور تنتشر من الحذاء..
رواية واقعية إجتماعية بقلم بارع، وعقل واعي، استمتعت بقرائتها جدا، وسأقرأها ثانية…