قراءة في ديوان هدنة لمراقصة الملكة لسلطان القيسي

رائد محمد الحواري | فلسطين

على الأديب/الشاعر أن يجدد فيما يقدمه، وهذا يتطلب منه البحث عما هو مغاير لما هو متداول، فالتجديد ليس المقصود به تجاوز ما هو مطروح في الساحة الأدبية فحسب، بل تجاوز الشاعر لذاته، ولما قدمه في السابق، ورغم أن هذه العملية (مرهقة) للشاعر، إلا أنها مهمة في تطوير ذاته، ووضع بصمة خاصة به في الساحة الأدبية/الشعرية.

هذا الديوان الثاني للشاعر سلطان القيسي الذي اتمكن من قراءته، فبعد ديوان “بائع النبي” الذي لم أعطه حقه من التحليل، يأتي ديوان “هدنة لمراقصة الملكة”، ورغم التبيان بينهما، إلا أن الديوان الأخير فيه تجديد وتمرد وتجاوز لما هو مطرح، فالشاعر يستخدم لغة تبدو (عادية) لكنها توصل فكرة الشاعر وما يريد إيصاله للقارئ.

الديوان فيه أكثر من قصيدة مركزية، أول قصيد: “رحلة الملكة” التي يحاكي فيها “عشتار” وما تحمله من خصب ونماء وخير، يقول في القصيدة:

“ها نحن نحبك أيتها الملكة

ونهيء أسباب الصدفة لنراك

ونهيل القمح على سرتك ليطلع مجد سنابلك من مكمن سحرك

خطوتك الواحدة تعادل رقص النسوة فوق العنب لعام كامل

حطي قدميك بكرم العنب لتسكر أوجاع الناس ويهدأ سر المجروحين.

نمشي ونعد نجوم الله على جسدك في الليل

نمشي نحو النور الطالع من وادي صدرك

ونراقب كيف يعود الفرسان المهزومون بحسنك رهبانا ماشين” ص11، هذا المقطع يأخذنا إلى صفات عشتار وما تحمله من خصب/خير، وبما أنها ربة الطبيعة/الأرض/الخصب فقد استخدم الشاعر ما يشير إلى ذلك من خلال: “القمح، سنابلنا، العنب، بكرم” وهذا الاستخدام يستدعي التوقف عنده، حيث اعطا الشاعر صورتين/دلالتين، لكلا من “القمح والسنابل، والعنب وبكرم” وكأن الشاعر يريد أن يعطي الصورة الجمالية للطبيعة من خلال “سنابل/نا، وب/كرم” فالاستخدام هنا يفيد الصورة الجمالية أكثر من الفائدة المادية/التغذية، بينما في “القمح والعنب” كان التركيز على التغذية، وهذا يأخذنا إلى رمزية عشتار/الخير والجمال، الخصب والحياة.

ولا يكتفي الشاعر بهذا التناول بل يأخذنا إلى طقوس الاحتفال بعودة البعل/عشتار من خلال “رقص النسوة، لتسكر أوجاع الناس، ويهدأ سر المجروحين” فهنا يأخذنا الشاعر إلى البعد الاجتماعي لعشتار، فرغم أنها ربه تعيش في السماء “نجوم الله على جسمك في الليل”، إلا أن لها أثرا/حضورا/فاعلية على الناس والمجتمع الذي يتغنى بها، فالشاعر لا يقدم “عشتار” ككائن منعزل/بعيد عن الناس، بل يعيش بينهم ويعطيهم/يمنحهم ما يحتاجونه من غداء روحي جمالي، ومادي تغدية، لهذا نجده يعطي البعدين حقهما، فبعد أن تحدث عن الناس المجروحين، ينقلنا إلى الجمال الربة السماوية نجوم/عشتار ـ من أشكال عشتار نجمة الصبح ـ ، وأيضا الربة البشرية: “النور الطالع من صدرك”، وهذا ما يجعلها تأخذ صفتين سماوية وناسوتيه.

من آثار الفينيقيين، أنهم أسسوا ممالك في شمال افريقيا وجنوب أوروبا، والامبراطورية الفينيقية تعد من أعظم المعالم التي أقامها البشر على وجهة الأرض، أما كيف تمت إقامة هذه الامبراطورية ومن أقامها، فالتاريخ يقول أن “إليسار/أليسا” ملكة صور هاجرت من مدينتها “صور” وتوجهت إلى شمال افريقيا ورست هناك، ثم أخذت هذه الدولة تتمدد وتكبر حتى وصلت إلى روما من خلال “هانيبعل” الذي كان يمكن أن يغير مسار تاريخ لعالم لو وافق مجلس شيوخ قرطاج على امداده بالمعونة العسكرية.

الشاعر يتحدث عن “أليسا” من خلال قصيدة “قطار أليسا السريع” التي يقول فيها:

“أقف بين جيشين

جيش انتهى للتو من ربط سفنه بشاطئ المتوسط

وآخر حجبت رماح خيالته الشمس عني، بعد أن قطع عمر

العراق، ووصل حديقة بيتي الصغيرة.

…ويمر ببالي قطار أليسار السريع من “صور” إلى حلم شيق على هضبة قرطاج،

لماذا غادرت بلادنا مسرعة يا مولاتي؟!

لماذا سحبت حريرك من أعمارنا، وتركتها على حد أسياف الملوك، ومت بعيدا بسيف ملك الأمازيغ؟!

يغيب صوتها، وراء نقيق المعاول على البروز في أريحا

وسكرات صبايا حلب، وهن يذكرن مآثر القديس الذي لا يجيء

الجيش البرتقالي يقطع الطريق من الشاطئ إلى مكة بكعوب عالية وغنج كاف لإيقاظ القرشيين الذين ماتوا في زمان الفتح

وببيونتي تضيق

والتنين ينهض من تحت رمح القديس

الذي تحول إلى “سيلفي ستيك

ابتسما

والتقطا صورة جديدة

فيما التحم الجيشان بعناق طويل

بين خيام الغساسنة والمناذرة!” ص27و28، الشاعر هنا يقدم لنا تاريخ، لكنه تاريخ (مُغرب)، فهو يتدخل في هذا التاريخ من خلال “بيتي الصغير، يمر ببالي، لماذا غادرت بلادنا” فهذا الدخول إلى الماضي، يجعل المتلقي يتوقف عند الهدف/الغاية منه.

القصيدة تحديث عن السياسة وما تمر به المنطقة العربية، لهذا كان لا بد من تقديم هذا الواقع، لكن ليس كصورة فتوغرافية، بل بواسطة صورة شعرية، من هنا نجد الشاعر يغرب الصورة، ويضع لمسة عصرية، بحيث يتداخل الماضي مع الحاضر، التاريخ مع الحديث/المعاصر.

من هنا نجد يجمع بين الأسطورة “القديس جورج/ الخضر، وبين التاريخ، الغساسنة والمناذرة، القرشيين، ولكي يخرج النص من القتامة والسواد، نجده يستخدم أفعال/اعمال معاصرة “صورة سيلفي” فالشاعر أوصل ما يريده من خلال حديثه عن عظمة الماضي وبؤس الواقع، وبصورة شعرية/أدبية، وليس بصورة مباشرة أو بصوت عالي.

ونلاحظ أنه يتحدث عن الجغرافيا في المنطقة العربي، من خلال: “حلب، أريحا، قرطاج، مكة،” وكأنه يريد من المتلقي أن ينتبه إلى المكان، وما آل إليه من خراب وتدمير، فما انجزته “أليسار” في قرطاج يتم هدمه الآن، وهذا يستدعي من القارئ أن يفعل/يعمل ليوقف الخراب الحاصل.

إذن تناول المواضيع السياسة مرهقة ومتعبة للشاعر، ومنفرة للقارئ، وعند تناولها لا بد من إيجاد طريقة/وسيلة/شكل يستطيع به الشاعر أن يتجاوز المباشرة، لكي يخفف على المتلقي قدر المستطاع، في القصيدة (المركزية) “أوسطيون في المترو” يتحدث عن السياسة بشكل جديد ومتميز، بحيث ينفرد به “سلطان القيسي” يقول في قصيدة “بملابس أشورية قديمة”:

“أهلي الذين نجوا من خلاف الملائكة مع اليهود على جثة المسيح..

فروا في آخر الأمر من السماء

وجاءوا بملابس آشورية، وانخلعوا كالجبال أوتادا..

ها هم يسيرون جثثا عمياء، بقلوب مبصرة،

ومضاءة بزيت اليقين، تريهم الهواء حبالا

ذلك يصعدون دائما إلى بيوتهم في السماوات

شيء ما،

ربما خلاف لاهوتي قديم،

جعلهم في جبهة مناوئة للذين كسروا الصليب،

الصليب الذي كان فزاعة وحرزوا في الأعالي” ص48، للوهلة الأولى يبدو المقطع وكأنه متشابك/متداخل، بحيث نجد فيه (غموض) عدم وضوح، فهناك تداخل بين ما هو أرضي وما هو سماوي: “فروا في آخر الأمر من السماء”، فعادة يفرون البشر/الناس إلى أرض جديدة، وليس إلى السماء، وبيوتهم في الأرض وليست في: “بيوتهم في السماوات”، كما أن الحديث عن اليهود والمسيح والصليب، والصراع اللاهوتي القديم، وكما أن المقطع يثير سؤال: ما علاقة اللبس الآشوري القديم بالصعود إلى السماء؟ وهل هناك علاقة بين “انخلعوا أوتادا وبين يسيرون جثثا عمياء؟، كل هذا يحتاج إلى وقفة وتفكير من القارئ.

فالشاعر يثق بعقلية المتلقي، لهذا لا يقدم له المعلومة واضحة ولا بصورة مباشرة، بل يشبك/يمزج/يخلط/يجمع صورة مختلفة معا، بحيث تجعل القارئ يتوقف متأملا/متفكرا فيها، من هنا تكمن أهمية الصورة الشعرية، فهي تثير العقل والعاطفة معا، وترسخ في الذهن، ومن ثم تجعل القارئ ينحاز للموقف الإنساني/الوطني/القومي، ويقف إلى الجانب الصحيح.

والشاعر لا يكتفي بحدثيه عن العراق/أشور، بل يتحدث عن اليمن أيضا، يقول في قصيدة “اليمن السعيد”:

“…لو كان لي فم أكبر لقلت شعرا حسنا

لو كانت لي يد أقوى لبنيت قلاعا أعلى

وأمنت الموت خلفها.

لو كانت فأسي أرهف لجعلت الأشجار كمنجات،

ولما أطعمتها للنار واحترقت بزفيرها.

لكنني مجرد رجل، في مواجهة الماء العرم،

الذي قتل أسلافي آنفا في اليمن السعيد!” ص 51، اللافت في هذا المقطع أن الشاعر يعطي نفسه صفات الجمال/البناء/الخير والتي نجدها في: “شعرا، لبنيت، أمنت، كمنجات” في المقابل يجعل الأخرين والواقع قساة قتلة: “الموت خلفها، أطعمتها للنار واحترقت، الذي قتل أسلافي” دون أن يذكرهم أو يسميهم، فقد جعلهم (مجهولين)، وكأنه بعدم ذكرهم/تسميتهم يعبر عن نفوره منهم ومن أعاملهم، لهذا أنكر/تجاهل تسميتهم، وهذا بحد ذاته كاف لإيصال فكرة جرائمهم ووحشيتهم للمتلقي.

وإذا قارنا بين أفعال الشاعر التي تمثل جمال وخير، وبين أفعال الآخرين التي تتمثل في الموت والشر، نتأكد أن هناك معسكرين/جهتين، في حالة تناقض، وهذا يستدعي من القارئ أن يحدد موقفه تجاه الجهة التي سيقف معها.

بهذا الطريقة استطاع الشاعر أن يجعل المتلقي ينحاز للخير/للجمال، وأن يتخذ موقفا لصالح المظلومين ضد الظلمة/القتلة/المجرمين.

هذا فيما يتعلق بالشؤون العامة، شؤون الوطن، أما فيما يتعلق بالشعر، بمن يحب، فهو يستخدم لغة أخرى، وأدوات أخرى، يعبر فيها عن نفسه/عن ذاته، في القصيدة المركزية “شؤون خاصة في المحطة العامة” يقول في قصيدة “سيرة ذاتية للعاشقين”:

“أحبك بمبررات مسبقة

أحبك بعقلي، لأنني لا أؤمن بالحب على سجيتي المعطوبة،

أحبك لأنك تحققين لي مصالح خاصة جواي:

أنا لا أستطيع التحدث عن خسارتي أمام سواك،

لا يمكنني أن أصف أنين “الحوت” وهو يغرق في دمي، إلا لك،

ولم أتعرف بأنني “ثور” متهور وخاسر حتى الآن، لأننا لم نتزوج،

تخيلي أنني حتى الآن، لم أجد غابة أزأر فيها ك”أسد” شاب، غير حضنك في أول نومك!

أنا أحبك مثل شجرة تسرح شعر الريح،

مثل جسر يمضي عمره مشبوحا في هوى المدينة،

ليصل ضفتيها ببعضهما

أحبك، ليس من أجلك،

إنما من أجلي فيك!” ص69، سنحاول التوقف عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر وعلاقتها بالحب، هناك ألفاظ جاءت حروفها مكررة مثل: “بمبررات، تحققين، يمكنني، لأننا، أنني (مكررة)، أزأر” وهذا يخدم فكرة التلاقي/الرغبة/ التي ينشدها الشاعر، ويشير إلى التماهي بينهما.

وهناك ألفاظ (منفصلة) لكنها متكاملة/متتابعة وتخدم فكرة الرغبة/الحاجة في اللقاء بالحبيبة، مثل: “مصالح خاصة، الحوت يغرق، ثور متهور، غابة أسد، حضنك نومك، شجرة شعر، جسر مدينة، ضفتيها ببعضهما، أجلي فيك” فهذا التكامل في الكلمات يخدم فكرة التلاقي والتوصل مع الحبيبة.

من المفترض أن تكون ألفاظ الحب بيضاء/ناعمة، تخدم فكرة الفرح، لكن الواقع القاسي الذي وجدناه آنفا، يفرض ذاته على الشاعر، من هنا جاء الحب عنده مربط بذلك الواقع، فكان بعض السود/القسوة حاضرة ضمن الحب، من هنا وجدنا هذا الحب مقرون بما هو مادي/اجتماعي: “مصالح خاصة، خسارتي، وخاسر، لم نتزوج، المدينة، ضفتيها” ولكنه يتمرد في نهاية المقطع على هذا الواقع، من خلال حالة لحلول بينهما:

“إنما من أجلي فيك” فهو يمزج المادي/الواقع بما هو شخصي/ذاتي، ويخرجه لنا بشكل جديد، يبدو في مظهره/شكله أنه مادي/مصالح خاصة، لكن في جوهره/مضمونه حالة حلول وتماهي وتوحد.

إذن هناك أثر للواقع على الشاعر، لكنه يحاول أن يتحرر منه ويكون ذاته هو، ذاته المستقلة والحرة، جاء في “المدينة تأخذ صورتي”:

“الأشجار تأخذ صورة النساء

والنساء يأخذن صورة القصائد،

والقصائد تأخذ صورة البحر،

والبحر يأخذ صورة المدينة،

والمدينة تأخذ صورتي” ص119، هذا المقطع وما فيه من تتابع يأخذنا إلى التراث الشعبي، وإلى الأغاني التي يرددها الأطفال، مثل: “بكرى العيد ومنعيد، ومنذبح بقرة سعيد، وسعيد ما عندو بقرة، بنذبح بنتو هل الشقرة، والشقرة ما فيها دم، منذبح بنتو بيت العم” ويأخذنا إلى الحكايات الشعبية التي يأتي فيها السرد متتابع ومتواصل وضمن النسق السابق، لكن الشاعر (يغرب) هذا الأمر من خلال تحويل/تجيير كل شيء لصورته هو، فيبدأ ب: “الأشجار، نساء، القصائد، البحر، المدينة، صورتي/أنا” وإذا ما توقفنا عندها، سنجد أن الغلبة لصيغة المؤنث، فكل ما ذكرة الشاعر مؤنث، حتى صورته هو جاءت بصيغة المؤنث، وهذا يشير إلى انحيازه للأنثى/للمرأة، لكن هناك استثناء يتمثل في “البحر”، فبدا البحر وكأنه (دخيل) على المقطع، فهل أراد الشاعر القول أنه (اقتحم) عالم جميل فشوهه، أم أراد القول أن البحر/المدينة تقتحمه هو، وتشوه الطبيعة الجمال الكامن في نظرته/رؤيته “الأشجار، النساء، القصائد؟، وهذا ما يجعل (الذكور/المذكر) هم/هو سبب الخراب، التشويه، الذي يحدث في العالم!؟.

القصيدة/الكتابة أهم اداة يستخدمها الشاعر، فبها يثبت/يكون/يوجد لنفسه مكانة ودورا في الحياة، والمقصود هنا دور استثنائي/متميز، يحدثنا الشاعر عن هذه الأداة من خلال قصيدة: “خياطة القصائد” والتي يقول فيها:

“في أيام العجز عن الكتابة،

تصبح القصائد القديمة أطول عمرا،

ها أنا آخذها إلى الخياط،

أوسع جذعها قليلا، فقد سمنت في السنوات الأخيرة،

آخذ سنتيمترات من الساق/ لتلائم الموضة،

أرتديها وآتيك،

مع أنك لا تكترثين بعمر القصيدة وتضحياتها،

إلا أنك تفكين الزر الثالث دائما، باسمة: هكذا أجمل!” ص101، أول اختراق/تجاوز للمنطق، أنسة القصيدة، واعطائها صفات الكائن الحي “أطول عمرا/فقد سمنت” فهذه فكرة متمردة على العقل/المنطق، والاختراق الثاني جاء بإعطائها صفات الملابس: “لتلائم الموضة/أرتديها وآتيك،”، وهنا يكون لشاعر قد أعادها إلى صفة(الجماد) شيء غير حي، من هنا نسق “القصيدة” يمثل حالات تتجاوز المنطق/العقل، وتتمرد عليه، لكن الاختراق الأجمل كان دخول المرأة (الغائية) على القصيدة، والتي بدأ حضورها بشكل منطقي/عقلي: “لا تكترثين بعمر القصيدة” ثم يدخل (الفانتازيا) من خلال “وتضحياتها”، فالمنطق يقول أن القصيدة ليس لها تضحيات، وأن التضحيات متعلقة بالبشر تحديدا، وهنا يكون حضور المرأة قد أحدث (اختراق) للعقل/للمنطق.

الشاعر يقدمنا أكثر من أثر/حضور/فاعلية المرأة في خاتمة القصيدة:

“إلا أنك تفكين الزر الثالث دائما، باسمة: هكذا أجمل!” والتي جاءت (محيرة) للقارئ، فهل فكت (المرأة/الحبيبة) زر القصيدة التي يرتديها الشاعر، أم فكت زر قميصها/ثوبها هي؟.

بما أن الشاعر هو من (يوجد/يخلق/يكون) القصيدة، وهو من (يرتديها) ليجمل بها نفسه، (ويزهو) بها أمام أحبيته/اصدقائه، فقد ارتأت الحبية/المرأة أن تجمل نفسها أيضا، وتحاكي (زهو) الشاعر بالقصيدة، من خلال فك الزر الثالث من ثوبها هي، هذا هو الفهم/المعنى الاقرب للصواب، وبهذا يكون حضور المرأة قد أحدث اختراقين للمنطق/لعقل، كحال القصيدة التي قدمت بصورتين تتجاوزان المنطق/العقل.

وإذا علمنا أن أدوات التخفيف/الفرح التي يلجأ إليها الشاعر/الأديب وقت الشدة/الضيق، تتمثل في المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد، فيمكننا القول أن هناك ثلاثة أدوات مستخدمة في هذه القصيدة، المرأة، الكتابة، التمرد، واللافت في هذا الاستخدام أن الشاعر يجعل القصيدة هي الموجدة/الباعثة لبقية العناصر، وليس المرأة، فغالبا ما تكون المرأة هي من يوجد/يولد بقية العناصر، لكن عند “سلطان القيسي” جعل الكتابة/القصيدة هي من أوجد بقية العناصر، وهذا يشير إلى أنه يصب كل طاقته في الكتابة/القصيدة، وعلى أنها الأداة الأهم بالنسبة له، فهي من تجعله (شاعر) وهي التي بها يستطيع أن يمارس فعل التمرد/الثورة ليحقق ذاته المتميزة، ويتحاوز ما هو عادي/سائد.

الديوان من منشورات خطوط وظلال للنشر والتوزيع، عمان، الأردن الطبعة الأولى 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى