ليس بوسعي أن أميز بين الشحاذين والعصافير

منال رضوان | أديبة وإعلامية مصرية

في أثناء الشهور الأخيرة من حملي، كنت أجلس يوميًا أمام البحر وقبل تنفيذ هذه النصيحة الطبية بالمشي عدة دقائق والجلوس للاستراحة، كان لزامًا علي التأكد من وضع حبات الأرز على شرفة منزلي للعصافير التي تنتظرني،
ولكم شعرت بالسعادة إذ أضيفت إلى هذه المهمة مهمة جديدة ستضيف ولا شك قطعة جديدة إلى إنسانيتي التي أسعى إلى تحقيقها بكل ما أوتيت من جهد.. فهذا الرجل المصاب بالشلل والذي يمر من أمامي صارخًا بكلمات أكاد أن اتبين منها حاجته وسؤال مذلته،
فكان ينظر إلى الجميع ويقول (يا رب يا رب) والعجيب أن أهل الحي لم يلتفتوا إليه..
وها قد أصبح علي مهمة إطعام العصافير فهي لا تملك لسانا تطلب به مني أن أفعل، ومنح هذا الرجل ما يسد حاجة يومه، فهو كذلك لا يملك لسانًا فصيحًا يسأل به الناس ولا يردد غير كلمته الوحيدة يا رب.
مر شهر على هذه الحال قرابة الشهر، وأنا أؤدي مهمتي المقدسة على أكمل وجه.. لكنني ذات صباح تأخرت عن موعدي لإجراء بعض الفحوص الطبية وعند عودتي تمنيت مقابلة الرجل المسكين الذي أضعت موعدي بلا ذنب مني.
وما هي إلا لحظات حتى وجدته أمامي يتشاجر مع أحد الباعة حول ثمن الفاكهة.. وقد شفيت يده وانطلق لسانه في معجزة عجائبية لم تحدث من قبل إلا في رائعة عبد الحميد جودة السحار فجر الإسلام عندما صرخ حنظلة .. إنها سليمة!
حاول الشحاذ النصاب أن يختبىء وترك الفاكهة التي لم يكن قد دفع ثمنها بعد وانصرف مسرعًا وأنا غير مصدقة ما يحدث أمامي…
في صباح اليوم التالي جاءت العصافير في موعدها فقد كانت أصدق من أن تتآمر على سذاجتي، لكن الشحاذ كان قد اختفى إلى الأبد.
كلما دغدغت تلك الواقعة ذاكرتي أسأل نفسي السؤال ذاته..
ترى بعد كل هذه السنوات هل أصبحت لدي القدرة على أن أميز فيما بين الشحاذين والعصافير؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى