هل تخلّت الدراما التلفزيونية عن رسالتها؟!
عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية
تابعتُ مساء الاثنين الموافق ٢٠٢١/٤/٥م حواراً على قناة (النيل دراما) الفضائية المصرية في برنامج (مساء الفن) ضيَّف فيه المخرج محمّد فاضل الذي تطرق إلى موضوعٍ مهمٍ هو الدور الاجتماعي للدراما.
وحسب الموسوعة العربية الشاملة للباحثة ياسمين صلاح (٢٠١٩/١٢/٢٣) فإنَّ الدراما، أو التعبير الدرامي (Drama) هو نوعٌ من التعبير الأدبي الذي يؤدى عن طريق التمثيل في السينما،أو المسرح، أو التلفزيون، أو الإذاعة وهي كلمةٌ مأخوذةٌ من اللغة الإغريقية القديمة وتعني: العمل، أو التناقض.
عُرفَ عن المخرج محمّد فاضل (مواليد الإسكندرية ١٩٣٨م) اخراجه للأعمال الرصينة، التي عُدت من روائع الدراما العربية.
كان أول أعماله الدرامية المسلسل الشهير (القاهرة والناس) عام ١٩٧٢م الذي حصد نجاحاً كبيراً عند عرضه.
واقترن نجاحه مع الكاتب الكبير أُسامة أنور عكاشة (١٩٤١م ـ ٢٠١٠م) بعدة مسلسلاتٍ مميَّزةٍ منها: (أبنائي الأعزاء شكراً) ١٩٧٩م ، و(وقال البحر) ١٩٨٢ م،و (أبو العلا البشري) بجزئيه ١٩٨٥ / ١٩٩٦م ، و(عصفور النار)/ ١٩٨٧م ،و(الراية البيضا)/ ١٩٨٨م ، و(أنا وأنت وبابا في المشمش)/ ١٩٨٩م ، و(النوة) /١٩٩١.
كما أخرج للسينما عدة أفلام منها: (شقة في وسط البلد)/ ١٩٧٥م ، و(حب في الزنزانة) /١٩٨٣م، و(ناصر ٥٦)/ ١٩٩٦م ، و(كوكب الشرق)/ ١٩٩٩م.
لم يأتِ تركيز المخرج محمّد فاضل على رسالة الدراما من فراغٍ، بل من خبرةٍ طويلةٍ في هذا المجال فهو يؤكد أنَّه يجب أن يكون هناك دورٌ اجتماعيٌّ تربويٌّ مهمٌ للدراما، وليس الاكتفاء بالجوانب الجمالية والترفيهية.
ويستغرب من وجود كمٍ من المسلسلات تُنتج حالياً يغيب عنها المضمون ، ويتساءل : كيف يمكن للمرء أن يؤوي إلى فراشه، وهو يختم ليلته بسهرةٍ تقظ المضجع بما تحتويه من مشاهد حركةٍ، وعنفٍ، وجرائم قتل ؟
في أغلب أعمال المخرج محمّد فاضل هناك رسائلٌ كثيرةٌ تصل الى المشاهد باحترام، وتحرك فيه الكثير من العمليات الذهنية، بل هو يُشرك المشاهد في رسم نهايات أعماله كما في مسلسل (الراية البيضا)/ ١٩٨٨م، الذي دعا فيه المشاهد الواعي إلى الوقوف بصف فريق المحافظة على التراث بقيادة مفيد أبو الغار(جميل راتب) ، وهو يواجه هجوم قيم السوق المتمثلة بفريق فضّة المعداوي (سناء جميل).
لم يقل محمّد فاضل : إنَّ الجمهور لا يرغب في هذه الأعمال، ولم يتكبر على المشاهد، لذلك حققت أغلب أعماله نجاحاً جماهيرياً كبيراً، فضلاً عن نجاحها فنياً، ونقدياً.
حفزني كلامه على البحث عن دراسةٍ منهجيةٍ في هذا الموضوع فوجدت دراسةً للباحثة المصرية نوال عمر عنوانها [دور الدراما التلفزيونية في معالجة القضايا الاجتماعية – دراسة تطبيقية وتحليلية على التلفزيون المصري في الفترة من( ١٩٩١/٧/١– ١٩٩١/٩/٣١م)] نُشرت عام ١٩٩٣م. اتضح من هذه الدراسة أنَّ أهم القضايا الاجتماعية التي وردت في المسلسلات الدرامية هي فکرة تنظيم الأسرة، تليها قضايا تصدع الأسرة، وتفککها، ثمَّ قضايا الأميّة في المرتبة الثالثة، واحتل المسلسل الاجتماعي والبوليسي المرتبة الأولى من إجمالي المسلسلات عينة الدراسة، واستخدمت المسلسلات القالب المليودرامي بالدرجة الأولى يليه القالب الکوميدي، ثم القالب التراجيدي، وأظهرت النتائج عدم اهتمام الأعمال الدرامية باستخدام اللغة العربية الفصحى قدر استخدامها للعامية.
لا يمكن إنكار أهمية الفن في حياة الفرد، وعلاقته بمجتمعه، وتثقيفه، وتعزيز القيم لديه، وتعميق شعوره بالانتماء، فضلاً عن بث الجمال، وتذوق الفن ، وتحسين الوضع الاقتصادي للفرد وللدولة، فنظرةٌ سريعةٌ لساعات بث القنوات الفضائية، فضلاً عن مواقع التواصل تُعطينا فكرةً عن عدد الجهات المستفيدة من المنتجات الدرامية على صعيد تشغيل العاملين، وجهات الإنتاج، وصناعة السياحة، والشركات الإعلانية !
لكن هل تؤثر الدراما حقاً في حياتنا ؟
يذكر مؤرخو السينما فلماً مصرياً قديماً عنوانه (جعلوني مجرماً) / ١٩٥٤م كتب له السيناريو نجيب محفوظ، والسيد بدير، وأخرجه عاطف سالم ، ومثله: فريد شوقي، وهدى سلطان، ويحيى شاهين، وهو يحكي عن استغلال الأطفال كأدوات في الجرائم من خلال قصةٍ حقيقية، وقد صدر بعد عرض الفلم تشريعٌ ينص على (الإعفاء من السابقة الأولى في الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطىء من بدء حياة جديدة) .
كذلك الحال مع فلم (كلمة شرف)/١٩٧٢ الذي اشترك في كتابة قصته والسيناريو والحوار فاروق صبري، وفريد شوقي، وأخرجه حسام الدين مصطفى، فقد جرى بعده تعديل قانون السجون؛ لكي يسمح للسجين بالخروج لمدة ٤٨ ساعة لزيارة أهله فى ظروفٍ معينةٍ تحت حراسة مشددة.
وحين عُرض فلم (أريد حلاً) عام ١٩٧٥م للمخرج سعيد مرزوق، وتمثيل فاتن حمامة، ورشدي أباظة ، قيل : إنَّ الفلم كان من أسباب تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.
ينتعش سوق الدراما في شهر رمضان، وتظهر كثيرٌ من الأعمال الصالحة، وغير الصالحة للعرض بدعوى الترفيه عن الصائم !
من المؤسف ظهور أعمالٍ لا تراعي حرمة هذا الشهر الكريم، مع نُدرة الأعمال التاريخية، والدينية، والتربوية التي كانت نافذتنا الحقيقية على الآداب، والتراث ، والفنون، والثقافة. فهل تعكس الدراما الحالية مستوى الخراب الذي وصل إليه العالم ؟