لم تعد قادرة
ياسمين كنعان | فلسطين
ثم تأتي ولو بعد حين ليلة أقل برودة ووحشة، تصمت فيها ذئاب الوحدة، وعويل النساء اللواتي يندبن حظوظهن على عمر ضاع في انتظار كل من غابوا في المنافي أو تحت التراب، يصمتن لأن الانتظار اكل من قلوبهن والنداء المتواصل جفف ماء النداء..! تأتي تلك الليلة المنتظرة مثل يسوع آخر الزمان، تنهض فيها المرأة الكسيحة عن سرير الانتظار، تقف على قدميها بعد جهد، تتكىء على حديد السرير المتشنج، تعلق نظراتها على الحائط المتهالك، تتفرس الصورة التي بهت لونها، عبثا تحاول ايجاد القواسم المشتركة بين ملامح الغائب المعلق في الإطار والقادم المعلق بين زوايا الباب..
لا تقول كأنه هو أو هو، ولى زمان الاحتمالات..! تأتي الليلة البعيدة كأي حدث مفاجىء، المرأة الكسيحة التي قصم الانتظار ظهرها لم تعد قادرة على الانتظار، لا تخطو خطوة واحدة للأمام، فالأمام مشاع الأمل، لا تتراجع خطوتين إلى الوراء فالوراء هوة اليأس؛ هي أيضا معلقة بين زمان ومكان، بين ذكرى وواقع، بين وجه محنط في الذاكرة وملامح يكتسحها غبار الغياب، هي لا تقوى على تركيب جملة واحدة؛ نسيت كل مفردات اللقاء..
هي لا تستطيع السكوت فثمة لحظة ثرثارة ووجه يقرأ على عدة أوجه..! هل تمد يدها المرتعشة لتتهجى هذه الملامح الجديدة، هل تعيد الزمان ساعة، هل تقف مترنحة في مهب الذكريات، هل تسقط وتتكوم على ذاتها مثل زمن هلامي بلا ملامح..هل تقول ما كانت تكرره طويلا: من أنت بعد خيبة وهزيمة، وبعد انتظار وشك، وبعد موت متعدد، وساعات خرساء، من أنت في غبار الوقت، من أنت بعد صدأ النسيان، هل عدت حين أصبح النسيان ضرورة، والموت حق..؟! كم مرة ذابت ملامحك في قعر بئر مهجور، كم مرة انتشلتك من قاع محيط اليأس، كم مرة نفخت في روحك روحي، كم مرة قتلتك وكم مرة قاومت الموت..؟! هل تصرخ في الريح القابعة خلف أبواب الذكريات خذيه إلى محطة الرحيل الأخيرة، أو بعثرته في الريح مثل حبوب الطلح، ربما في أرض أخرى أو زمن آخر يعود القلب فتيا..!