شاهد واقرأ:فيلم مودلياني .. أفلامٌ عن سيَر الفنانات و الفنانين التشكيليين

 

هادي ياسين

لمشاهدة الفيلم انسخْ هذا الرابط ( Modigliani.2004.1080p.WEBRip.cima4up.tv )

الكتاب الوحيد الذي صدر بالعربية عن الفنان الإيطالي ” أوميديو مودلياني” هو كتاب (الملاك الفاسد) الذي وضعه الرسام و الكاتب و المخرج المصري “يوسف فرنسيس “، و من خلاله تعرف القراءُ و الفنانون التشكيليون العرب على حياة و مكانة هذا الفنان . ولكن هذا الكتاب لم يكن كتاباً نقدياً تحليلياً بل هو كتابٌ تعريفي مكتوبٌ بأسلوب رومانسي، و مع ذلك فأنه يُحسبُ للكاتب فضله في التعريف به عربياً، و لعل الكتابة عن “مودلياني ” لا تتحمل أكثر من هذا ، ذلك أن طبيعة حياته طغت على سيرته كفنان، و هو من صنف الفنانين الذين تداخلت مصاعب حيواتهم مع فنونهم .

غير كتاب (الملاك الفاسد) توجد مقالات ورقية قليلة أو مبتسرة عنه ومقالات ألكترونية قليلة أيضاً، ولكن الفنانين التشكيليين العرب ، كما هو شأن الفنانين في العالم ، يعرفونه من خلال فنه، و هو الفنان الذي ترك بصمته الفنية على المستوى العالمي ورحل مبكراً في السادسة والثلاثين من عمره .

فيلم (مودلياني)، المُنتج عام 2004 ، يقدم سيرةً ذاتية بصرية سينمائية عنه، عن حياته البوهيمية الصاخبة في پاريس، مع استذاكارات قصيرة من طفولته في ايطاليا. و لقد كان المخرج البريطاني ” مايك ديڤز ” موفقاً في اختيار الممثل الأمريكي ( كوبي الأصل ) ” اندي گارسيا ” لدور ” مودلياني ” ، و أكثر توفيقاً في اسناد دور ” جان ” ـ حبيبة و زوجة ” مودلياني ” ـ الى الممثلة الفرنسية الرائعة ” إلزا زيلبرشتاين ” ، فهي قريبة الشبه جداً من الپورتريتات التي كان ” مودلياني يرسمها ، و خصوصاً من ناحية العيون ، و هذه الممثلة لديها أدوار متميزة كثيرة ، و قد سبق لها و أن مثلت في الفيلم الفرنسي عن حياة الرسام الهولندي (ڤان كوخ) ، عام 1991 ، بدور “كاثي” . أما دور “پيكاسو” ، في هذا الفيلم ، فقد أسنده المخرج الى الممثل البريطاني (إيراني الأصل) ” أوميد جليلي” ، و هذا الممثل هو في الأصل ممثل كوميدي .

إن أحد أعمدة سيرة هذا الفيلم هو الصراع الخفي و العلني و التنافس الحاد الى درجة الكراهية بين ” پيكاسو ” و ” مودلياني ” الى حد أن ” پيكاسو ” يشهر المسدس في وجهه ، و سبب هذا الصراع هو أن ” مودلياني ” لا يعترف بفن ” پيكاسو “، و يرى أنه متحذلق و يضحك على الآخرين، و خبيث ، و مشكلة ” مودلياني ” أنه صادق مع نفسه و عفوي و مخلص لفنه و يرى في ” پيكاسو ” و فنه طرفاً نقيضاً له و يرى أن الجمهور الذي يتهافت على أعمال” پيكاسو ” إنما هو جمهور ارستقراطي ساذج . ولكن هناك من يرى أن هذا العداء هو من اختلاق الفيلم و ليس منه شيء على أرض الواقع .

يبدأ الفيلم من عام 1919 ، بمشهد في حانة پاريسية تجمع المشاهير في العاصمة الفرنسية ، و منهم ” بيكاسو ” و هو يرسم تخطيطاً على منديل المائدة ، ثم يطلب من صاحب المطعم عشاءً و يعطيه المنديل ثمناً للعشاء ، ولكن صاحب المطعم يخبره أنه لم يوقع على المنديل، فيرد عليه ” پيكاسو “: (قلتُ: أشتري عشاءً ولم أقل أشتري المطعم)، و في ذلك دلالة على أنه لو أن ” پيكاسو ” وقـّع على المنديل لأصبح عملاً فنياً سيُباع بآلاف الفرنكات، في حين أن “مودلياني” ما كان يمتلك ثمن كأس شراب و هوالذي يرى أنه أهم من “پيكاسو ” فنياً .

كلا الفنانين ، بدأ حياته الفنية صغيراً ، و تشبع بالفن مبكراً، خصوصاً فن عصر النهضة ، و كلاهما تمرد على المدارس الكلاسيكية و استجاب لحداثة عصرهما ، حين كانت پاريس مهد هذه الحداثة في الرسم بعد أن أنبتت بذورَها الحركةُ الإنطباعية في فرنسا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . و ” مودلياني ” جاء لى پاريس عام 1906 ، فيما جاءها ” پيكاسو ” عام 1911 ، و بعد سنة من وجود ” مودلياني ” في پاريس تحول من شخصية متزنة الى صعلوك ، و بات أميرَ المتشردين ، فيما اتجه ” پيكاسو ” لأن يكون نجم الصالات الارستقراطية .

وهذا الفيلم لا يتناول السيرة الذاتية الكاملة لـ “مودلياني”، بل السنة الأخيرة من حياته في پاريس ، و التي أنهاها تحت تأثير الكحول و المخدرات و الفقر و التشرد إضافة الى إصابته بمرض السل منذ صغره .

القضية الأساسية الأخرى التي جعلها الفيلم تتداخل مع قضية ” پيكاسو ” هي علاقة الحب بين “مودلياني” و “جان” طالبة الفن التي أحبها الفنان و بادلته الحب الحقيقي و أنجبت منه طفلة غير شرعية، و حملت منه جنيناً أخذته معها في بطنها حين انتحرت. ولكن ثمة نقطتين أساسيتين سممتا هذه العلاقة، النقطة الأولى تتعلق بالدين، فقد كان ” مودلياني ” يهودياً ، ولكنه لم يكن ليقيم اعتباراً لذلك، أما ” جان ” فقد كانت تنتمي الى عائلةٍ فرنسيةٍ مسيحية كاثولوكية ، و كان والدها متزمتاً ، ولذلك عارض زواجهما معارضة ً شديدة . وفي بحر مشاكله ، يعود ” مودلياني ” بذاكرته المشوشة الى عام 1892 ، عندما كان في الثامنة من عمره وقد صادرت السلطات الإيطالية ممتلكات عائلته اليهودية بذريعة عدم دفع الضرائب .

النقطة الثانية التي سممت هذه العلاقة تمثلت في الفقر المدقع الذي يعيشه ” مودلياني ” فوق ما كانت ” جان ” تعانيه من تزمت والدها و اعتراضه القاطع على زواجهما . حتى أن ” مودلياني ” يعرض عليها الإنفصال كونه لا يستطيع إعالة ابنته في غرفة بائسة خالية إلا من فراش بائس مطروح على الأرض و قناني النبيذ الفارغة . حينها، تذهب “جان ” الى صديقهما تاجر اللوحات الشاعر الپولندي ” ليوپولد زبوروڤسكي ” ــ مثل دوره ” لويس هيلير ” ــ لتطلب منه أن يعرض لوحة ً لـ ” مودلياني ” الى جانب لوحة “پيكاسو ” و هذا ما يغضب “مودلياني” بطبيعة الحال، وفي ذلك اشارةٌ من الفيلم للإيحاء بقيمة “پيكاسو” وتبيان تفاوت المكانة الإجتماعية بينهما . ولكن الفيلم توقف عند هذه النقطة بخصوص فن “مودلياني” و لم يتطرق الى شعبية لوحاته و بيعها عام 1918 عندما عاش لمدة عام في الساحل الجنوبي الفرنسي هو و “جان”، و لا الى نجاحات معارضه في بريطانيا عام 1919. كما أن ” مودلياني ” توفي في الرابع و العشرين من شهر يناير / كانون الثاني 1920 بتأثير مرض السل و تحت وطأة الإدمان المفرط على الكحول و المخدرات، ولكن الفيلم أضفى على نهاية ” مودلياني ” صبغة درامية لتكون نهاية سينمائية و ليست كما حصلت في الواقع .

“جان ” لم تتحمل رحيل ” مودلياني ” فأصابها ما يشبه المَس ، فانتحرت في اليوم التالي لرحيله. و ثمة صبي كان قد ظهر فجأة ً و هو يعاتب ” مودلياني ” ، ثم ظهر أكثر من مرة ، حتى بعد موته. هذا الصبي لا يمكن أن يكون إلا ضميره الذي كان يؤنبه كونه قد أتلف حياته ، و إلا فلا مبرر لوجوده في الفيلم . أما ابنتهما اليتيمة، في الواقع و ليس في الفيلم ، فقد أخذتها أختُ مودلياني الى (فلورنسا) لتتبناها و تعيش في كنفها ، و تكتب لاحقاً سيرة والدها في كتابٍ بعنوان (مودلياني .. الرجل و الأسطورة ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى