ماذا يكمن خلف صخب الدعاية المتصاعد حول أوكرانيا؟
سعيد مضيه | فلسطين
أين يقبع صاعق التفجير؟
اكرانيا شاغلة العالم وبؤرة التوتر القابل لتفجير حرب نووية، كما تفصح التصريحات والتصريحات المضادة، تتحدث عن غزو مجهول بلا دلائل أو براهين، بحيث تقترب من الدعاية التهريجية، لولا وجود صاعق تفجير على شكل مخطط خبيث يجري إعداده حاليا من شانه ان يحرك فعلا عسكريا من جانب روسيا. قد تبدو للمحايدين حدة خطابات الرئيس الأميركي، بايدن، بأنها مجرد دعاية انتخابية ضمن الحملات المعهودة كل عامين بالولايات المتحدة. يريد بايدن التمظهر بالقوة لشطب ذكرى ضعف إدارته في انسحابها الفوضوي المهين من أفغانستان، والذي ما زال يذكر مقرونا بمشاعر الإذلال لأميركا .
يسخرباتريك كوكبيرن من صخب الدعاية المتصاعد باضطراد، حيث يورد ما يؤكد استحالة ان يفضي صخب الدعاية الى حرب حقيقية. فقوة الحشد الروسي تقدر ب 127 ألف جندي، ويقدر بثلث الحد الأدنى الضروري لاحتلال أكرانيا. فعندما احتلت القوات السوفييتية تشيكوسلوفاكيا عام 1968، مع بلدان حلف وارصو، دفعت جينئذ ما بين مائتين ومائتين وخمسين ألف جندي ، وتشيكوسلوفاكيا تقدر بثلث أكرانيا. يقول كوكبيرن، المعلق البريطاني، ان توسع النفوذ الغربي في أكرانيا مخاطرة ، والحقيقة الماثلة مما يدور حاليا ان روسيا تعود الآن لأول مرة منذ العام 1991، تعامل كدولة عظمى مُهابة، يقصدها الزوار ينشدون رضاها!
حقا، فإن المشكة الأكرانية هي إحدى نتائج التوسع الغربي شرق أوروبا لإحكام الحصار حول روسيا ، ترويعها يهدف إرغامها على أن تكف عن الادعاء بأنها دولة عظمى. فحتى الآن لم يعد احد المعلقين بذاكرته الى تسعينات القرن الماضي ، حين اصدر المحافظون الجدد بالولايات المتحدة ما أسموه “برنا مج القرن الأميركي”، وفي ملحقه يتوعدون بسحق كل قوة معارضة أو يشتم من قدراتها المادية احتمال وقوفها بوجه القرن الأميركي. ومنذ أن أظهر الرئيس بوتين انه عنصر تحد للتمدد الامبراطوري الأميركي، شرعت الدعاية الغربية تشيطن بوتين وتهاجمه بضراوة . ثم برزت الصين قوة لا تعيق فحسب ، بل تنافس الولايات المتحدة على تصدر العالم كقوة اقتصادية.
اما صحفي الاستقصاء الأميركي كريس هيدجز، فيقدم على الموقع الإليكتروني “كونسورتيوم نيوز” .وقائع أزمة عميقة تعصف بالولايات المتحدة: “الحرب هي الترياق لحرف انتباه الجمهور عن فساد الحكومة وفشلها”، ويضيف: “ما من طرف أفضل من الحزب الديمقراطي الأميركيي في لعب هذه اللعبة. إن عجز الموازنة الحكومية في الولايات المتحدة قد بلغ 2.77 تريليون دولار للسنة المالية 2021 المنتهية في 30 أيلول / سبتمبر الماضي، وفي السنة السابقة بلغ العجز بالموازنة ال 3.13 تريليون دولار. لقد بلغ إجمالي الدين الأميركي الثلاثين تريليون دولار”، ويخلص الى الاستنتاج ” نحن نمول حروبنا بالديون. تقدر مؤسسة واتسون بجامعة براون أن فوائد الديون الأميركية سوف تكلف الخزينة قرابة 6.5 تريليون دولارفي عقد الخمسينات من القرن الحالي. ولا يمكن النهوض بأعباء هذا الدين”.
على ان هناك عاملا واقعيا، ليس مجرد دعاية في الوضع القائم بأكرانيا. الدبلوماسية الأميركية احتضنت النازيين مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ قامت بتوزيعهم على مختلف بقاع الأرض، خاصة في أميركا اللاتينية؛ هناك اداروا الأنظمة الفاشية والانقلابات العسكرية وأسهموا في مطاردةالشيوعيين والتقدميين وتصفيتهم جسديا. النظام اللييبرالي الأميركي تعهد الأنظمة الفاشية في بقاع المعمورة.
جون بيلغر صحفي بريطاني من أصل أسترالي ومخرج أفلام وثائقية، يرجع بالأمور الى بداياتهاعام 2014 حين جرى انقلاب دبرته فيكتوريا نولاند، زوجة روبرت كاغان، كبير منظري المحافظين الجدد. التقطتها هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية حينئذ، من إدارة بوش المنتهية، حيث عملت تحت إمرة ديك تشيني نائب الرئيس؛ عينتها نائبة وزيرة الخارجية لشئون اوروبا . تباهت نولاند بانها انفقت خمسة مليارات دولار تكاليف الانقلاب الذي رفع النازيين القدامى والجدد الى الحكم في أكرانيا. يقول جون بيلغر، اغتنم النازيون الجدد الانقلاب “ليشنوا حملة إرهاب في الدونباس كان ضحاياها الناطقون بالروسية”. شنت” وحدات أمنية خاصة” تحت إشراف جون برينان مدير مركز السي آي إيه في كييف، “حملات وحشية على الناس في الدونباس ممن عارضوا الانقلاب”.الفيديو وشهود عيان احتفظوا بمشاهد “الأوباش الفاشيين يحرقون مراكز النقابات بمدينة اوديسا وقتلوا 41 شخصا حوصروا بالمكان. وقفت الشرطة تراقب، وبعث الرئيس اوباما بالتهنئة لنظام الانقلاب على ‘ضبط النفس’. واليوم يجهز النازيون الجدد لشن هجمات دموية ضد الإثنية الروسية بالدونباس.
نقل بيلغر عن البروفيسور ستيفين كوهين، الموصوف بأنه الأكثر اطلاعا في الولايا ت المتحدة على الأوضاع الروسية، ما كتبه بصدد”حرق أفراد من الإثنية الروسية، في ما يشبة المذبحة، في أوديسا أعادت للأذهان ذكرى فرق الإبادة النازية في أكرانيا أثناء الحرب العالمية الثانية “.
(واليوم) نرى هجمات كالعاصفة على اناس من اليهود والروس المسنين ، الى جانب مسيرات ليلية بالأضواء في أرجاء أكرانيا ، تذكّر بمسيرات النازيين في ألمانيا في عقدي العشرينات والثلاثينات. ولا يقوم البوليس وهيئات القضاء بشيء لمنع أعمال الفاشيين الجدد؛ على العكس فقد شجعت كييف رسميا الفاشيين الجدد باتباع نهج تأهيل المتعاونين الأكرانييين مع مذابح الإبادة التي أقدم عليها الغزو النازي ، وحتى إحياء ذكراهم بإطلاق أسمائهم على الشوارع وتشييد المعالم ، وتعيد كتابة التاريخ لتمجيد ذكراهم . وتشرف بريطانيا على تدريب الحرس الوطني في أكرانيا ، ومعظم أفراده من النازيين الجدد.” على هؤلاء الأوباش وافعالهم السوداء يأمل بايدن إقدام الروس على تفعيل عمليات عسكرية داخل أكرنيا.
ينقل بيلغر أيضا عن الأديب الألماني الراحل هارولد بينتر، الحائز على جائزة نوبل، عبارته ” لم تحدث مطلقا بينما هي جارية حاليا”، وذلك بصدد عائد العنف الدائر في اوكرانيا وفاشية القرن الحادي والعشرين .
طبيعي ان يستنتج سياسيون في بلدان عدة ان الإدارة الأميركية تود لو ينفذ الروس غزو اكرانيا. توفير فرص الحرب والتهيئة للحروب العدوانية تحت ستار مكافحة الإرهاب بات الشغل الشاغل لأقطاب الإدارة الأميركية، بغض النظر عن الحزب؛ “الحزبان يختلفان على الأمور السخيفة والتافهة فقط، بينما يتفقان فيما يخص مصالح الطبقة التي يتنافسان في الولاء لها ” ، كتب صحفي اللاستقصاء، كريس هيدجز، فهذا التحريض الهيستيري على روسيا واتهامها المرة تلو الأخرى بالتحضير لغزو أكرانيا يصاحبه إطلاق التهديدات بعقوبات قاصمة جديدة، إنما يهيئ أسباب الحرب بدل أن يمنع الحرب.
ما يدور حاليا من لغط حول أكرانيا يعتبر دعاية رخيصة في نظر جون بيلغر، ويضيف: ” إن هيستيريا الحرب التي تدحرجت خلال الأسابيع والأشهرالأخيرة كموجة غامرة هي المثال ألأعظم على استبدال السياسة بالدعاية؛ فمعظمها ليس سوى بروباغندا رخيصة. جاءت وزيرة خارجية بريطانيا الى موسكو لتبلغ الروس أنها لن تقبل سيادتهم على روستوف وفورونيج؛ ردوا بأن المقاطعتين ليستا أجزاء من اكراينا ، بل من روسيا.
وفي 16 كانون أول / ديسمبر الماضي وافقت الأمم المتحدة بما يشبه الإجماع على قرار دعا الى “مكافحة تمجيد النازية ، والنازية الجديدة وغيرها من الأنشطة التي تسهم في تغذي الأشكال المعاصرة للعنصرية”. صوت ضد القرار أكرنيا والولايات المتحدة فقط.