جمِّلْ كلامك بالقرآن ( 9 )
أ د/ هدى مصطفى محمد | أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية – جامعة سوهاج
هناك بعض العبارات والأقوال التي نجد أنفسنا نرددها في بعض المواقف، وهذه الأقوال قد تكون أمثالاَ شعبية، أو أقوالاُ مأثورة والأجمل أن تكون آيات قرآنية أو أحاديث نبوية. وترديدنا لهذه الأقوال يأتي في سياقات لغوية مختلفة، ويأتي دائماً لتدعيم مانقول بأدلة واستشهادات. ونأمل دائماً أن نكون موفقين في اختياراتنا لهذه الأدلة، لتكون مناسبة للسياق، ولعل أول طرق التوفيق هو التعرف إلى المعاني الصحيحة لهذه الأدلة وسياقاتها أو مناسباتها .
ومن هنا جاء هذا الطرح للآيات القرآنية التي يكثر استخدامها في أحاديثنا وكتاباتنا لنتعرف سياقاتها أو مناسبة نزولها وفي هذا إعادة نظر للحكم على صحة استخدامنا إياها، فقد يتحقق تصحيح فهم لدى البعض، وكذلك إدراك لمدى ما نستخدمه من القرآن في أحاديثنا وقد تكون بداية للإكثار من ذلك فنجمل أحاديثنا بالقرآن، كما أن معرفة المعاني ستزيد من إدراكنا لكثير من السور التي نقرأها وبذلك يتحقق عنصر من عناصر التلاوة الشرعية وهو التدبر في معاني ما نقرأ، ولعل الفهم لبعض الآيات ييسر التلاوة ويحببنا فيها ويعين على الحفظ لمن أراد؛ فالفهم من العوامل المهمة التي تساعد على حفظ القرآن والارتباط به.
ونستكمل ما بدأنا من قبل ومعنا آيات اليوم من سور الحجر والنحل والاسراء :
= قال تعالى :” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” الحجر / 9
هذه الآية جواب لإبطال كلام المستهزئين ، فجاء التأكيد في قوله ” إنا ” وضمير الفصل ” نحن ” ، ثم زاد ذلك الارتقاء بأن منزل الذكر هو حافظه من كيد الأعداء. وشمل حفظه : الحفظ من التلاشي ، والحفظ من الزيادة والنقصان به . بأنه يسر تواتره وأسباب ذلك، وسلمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح.
= قال تعالى : “وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيل ” النجل / 9
هذه جملة معترضة وهي تعبر عن الامتنان بنعمة تيسير الأسفار بالجمال والخيل والبغال والحمير ، والسبيل هنا لا تعني الطريق بل هي مجاز لما يأتيه الناس من أعمال التي تصل بهم إلى دار الثواب أو دار العقاب . ولذلك فالآية إشارة إلى تيسير السبيل إلى جميع المقاصد مادية أو روحانية. فالعقل سبيل ليفرق به الناس بين الحق والباطل، فالقصد هو استقامة الطريق ، وهي الصفة للسبيل وهو الموصوف. والمعنى أن الله هو الذي يهدي إلى الطريق المستقيم .أو الطريق القاصد.
واستخدامنا لهذه الآية يأتي – في الغالب – وصفاً للطريق المادي، والأولى استخدامه بالمعنى العام المادي والمعنوي فالله الذي يهدينا لكل خير مادي أو معنوي .
= قال تعالى ” فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ” النحل / 43
المقصود بأهل الذكر في الآية هم مؤمني أهل الكتاب .
يأتي استخدامنا لهذه الآية في سياق الحديث عن المتخصصين في كل مجال وكأنهم أهل الذكر والخبرة فيه ، وهذا لا يتماشى مع معنى الآية الصحيح.
= قال تعالى ” وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ” النحل / 60
هذه جملة عطفت على جملة ” لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ المقصود هنا الصفة العليا وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو . وقيل جميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء وغيرها من الصفات والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله.
ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح.
= قال تعالى :” مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ” النحل / 96
ما عند الله لا يفنى، فالأولى الاعتماد على عطاء الله دون الاعتماد على عطاء الناس الذين ينفد رزقهم ولو كثر . والمقصود بقوله عند الله هو ما أدخره للمسلمين من خير في الدنيا والآخرة. وهذه الآية تعليل لما قبلها . إنما عند الله هو خير لكم ” بمعنى أن ما عند الله لهم خير متجدد لا نفاد له. وأن ما يعطيهم المشركون محدود نافد لأن خزائن الناس صائرة إلى النفاد أما خزائن الله باقية . وهذه الآية أرسلت إرسال المثل ، فيحمل على الأعم.
ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح.
= قال تعالى :” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ “الاسراء / 70
التكريم هنا معناه لا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته، فالحيوان لا يعرف النظافة، ولا اللباس ولا ترفيه المضجع والمأكل والإكرام كذلك في كيفية تناول الطعام والشراب فهو يتناول الطعام بيده بينما غيره يتناوله بفيه من الأرض.
وقيل إن التكريم بالعقل، وقيل بالنطق ، وقيل بتعديل القامة وامتدادها والدواب منكفية على وجوهها . وقيل تحسين الصورة.
ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح، فنرددها إذا جاء ظهور لآدمي يتنافى مع أي صورة من صور التكريم التي ميز بها الله تعالي بني آدم.
= قال تعالى :” وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ” الاسراء :/ 85
المراد بالعلم هنا المعلوم، أي ما شأنه أن يعلم أو من معلومات الله ووصفه بالقليل. وهذه الآية مما أمر الله به رسوله أن يقوله للسائلين، فيكون الخطاب لقريش أو لليهود الذين كانوا يقولون عندنا التوراة وفيها العلم الكثير .
يأتي استخدامنا لهذه الآية وكأن المقصود فيها مجالات العلوم المختلفة مثل: علم الفلك، وعلم النفس، وعلوم اللغة ، وعلوم الطبيعة .. إلخ. وليس مجرد المعلومات التي هي مستهدفة من الآية الكريمة .
= قال تعالى :” وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًاإِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ “الكهف / 23
قيل في أسباب نزول هذه الآية أن المشركين لما سألوا النبي – صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد، ولم يقل إن شاء الله ، فلم يأته جبريل بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوماً ، وقيل بعد ثلاثة أيام . فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم.
ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية في السياق الصحيح. فنذكر بعضنا بعضا بهذه الآية إذا ما وعد أحدنا بفعل شيء مستقبلي بدون قوله إن شاء الله.
= قال تعالى :”وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ” الكهف / 63
المقصود بالنسيان هنا غير نسيان الحوت ، فهو نسيان ذكر الإخبار عنه ، والمعنى ما أنساني أن أذكره لك إلا الشيطان، فالذكر هنا ذكر اللسان. وهنا للشيطان دور فهو ألهاه بأشياء عن أن يتذكر ذلك الحادث .فالشيطان يسوءه التقاء هذين العبدين الصالحين ( سيدنا موسى والخضر ).
ويأتي استخدامنا لهذه الآية في كل مواضع النسيان ، لكن المقصود هو النسيان المتعلق بذكر اللسان فقط.
وللحديث بقية،،،،