الذكاء الوجداني

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

سئل الكاتب والفيلسوف الفرنسي “فولتير” وهو على فراش الموت ماذا تفعل لو كانت لديك فقط أربع وعشرون ساعة لتعيشها، فأجاب “سأعيش كل ساعة على حدة”. وفي كتاب قوة التفاؤل للكاتب “ألان جينز” ما يحدد مواصفات الأشخاص المتفائلين، ومن بينها أن المتفائل يخطط دائماً للتجديد، فهو يعلم أن طاقته ستنفد، وكما هو معروف في علم الفيزياء ووفقاً لقانون “الإنتروبيا” أن جميع الأنظمة التي تترك وحدها ودون عناية تفقد طاقتها، وإذا لم يتم ضخ طاقة جديدة؛ فإن عمل تلك الأنظمة ينهار.

أما المتشائمون فتراهم لا يخططون للتجديد لأنهم لا يرون له أهمية؛ فالمتشائم شخص سلبي التفكير ، وهو يستشعر الضيق الشديد عندما يفقد العالم مثاليته والتي ينبغي أن توافق هواه، كما أنه غير مستعد تماماً لتغيير طريقة تفكيره، حيث يتبنى أنماطاً ثابتة في التفكير ترى أن التغيير مستحيل والتطوير لا طائل من ورائه. أما المتفائلون فيعرفون توقيت تجديد نشاطهم وشحن طاقتهم، كما أنهم يحتفظون بحالة معنوية مرتفعة ترجع لذكائهم في إدارة وجدانهم.

ومن الطرق اليسيرة لاختبار الذات وتحديد طاقة تفاؤلها وتشاؤمها أن تبحث في نفسك فإذا وجدتها تردد صوتاً يمنعك من فعل شيء تريده؛ فهذا صوت التشاؤم الذي يمنعك من تحقيق النجاح، بل ويقود إلى العجز والفشل. ولتعلم أنك قادر على عمل ما تريد وفي أي وقت تريد إذا ما توفرت الإرادة لذلك.

إن إرادة التغيير مردها الحقيقي هو الذات، حيث تتمتع وحدها بمقومات التغيير ودوافعه، وذلك على عكس ما يعتقده كثير من الناس الذين يرون أن دوافع التغيير تنحصر في العوامل الخارجية، والواقع أن التغيير لا يأتي إلا بقرار من الذات وبإرادة شخصية كاملة، بغض الطرف عن عمر الإنسان ودرجة ذكائه كما يرى المتشائمون الذين يعتقدون أن الذكاء ودوافع التغيير تنحسر كلما تقدم الإنسان في عمره.

وأذكر في هذا السياق أن أحد أساتذة الطب المرموقين في جامعة نيويورك قد أجرى بحوثاً كثيرة تناولت تأثير العمر على العقل، حيث اكتشف أن التقدم في العمر ليس ما يجعل العقل أقل نشاطاً، وإنما السبب في ذلك هو تقليص استخدام نشاطات المخ. ولقد صار من اليقين أن فقدان الذاكرة والسلبية الذهنية تعودان للسبب نفسه. ولعل ذلك يرد على المتشائمين الذين يرون أن الذكاء قدر محتوم ودرجة ثابتة لا تزيد وإنما تنقص مع تقدم العمر.

إن مشاعر  التفاؤل تولد نشاطاً ذهنياً متنامياً يشعر الإنسان بحيوية دائمة، ومشاعر التشاؤم تحرم الإنسان من التحديات الذهنية التي تفقد الحياة بغيابها معناها وحيويتها المأمولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى