د. محمود أبو لافي.. فاعل خير صامت وجندي مجهول في الخدمة العامة
محمد زحايكة | فلسطين
كانت الزيارة الأولى إلى عيادة الدكتور محمود أبو لافي، والصاحب طفل صغير غض الإهاب برفقة الوالدة، حيث يذكر مثل حلم العين أو كالغباش أنه صعد بتثاقل ذات يوم حزيراني حار وهو يتشبث بثوب أمه درجا طويلا إلى حد ما، ثم يغوص الصاحب في تلك العيادة في شارع السوق التجاري أو شارع السلطان سليمان، ولعل الصاحب كان يعاني من سخونة أو نزلة برد وإسهال حاد من بين أمراض الطفولة التي تسببها “المعيشة البعل” وعلى فيض المولى نتيجة تراكم الجهل والفقر والتخلف الضارب أطنابه في ذلك الحين بعد هزيمة حزيران المشؤومة التي ما زلنا نغوص في أوحالها القذرة حتى يوم الناس هذا..
وكان اسم د. محمود أبو لافي لامعا في ذلك الوقت ولا يجاريه سوى د. عبد الله صبري ود. صليبا على ما يذكر الصاحب اللاهب حيث كان أفراد عائلتنا يتعالجون في عياداتهم التي تستقبل افواجا لا تنقطع من قرى وبلدات ضواحي القدس لما كان لهؤلاء الأطباء من صيت ذائع وشعبية كبيرة. ولم يتسنَ للصاحب الاقتراب كثيرا من عالم د. أبو لافي إلا أن مسموعياته وشهرته الدارجة كانت مثار حديث الناس والأوساط المجتمعية في المدينة. ويمكن القول إن الصاحب استنتج وأدرك أبعاد الدور المجتمعي الهام والمتشعب للدكتور محمود أبو لافي بعد تعرفه على ابنته مي أبو لافي وشقيقها منتصر أبو لافي من خلال مكتب السياحة والسفر في فندق الكومودور في حي الصوانة المجاور لجبل الزيتون عندما سافر الصاحب معهما أكثر من مرة سفرات عائلية مع مجموعات سياحية ليكتشف أناسا رائعين وعلى خلق جميل في التعامل الإنساني وإن آخر همهم هو الفلوس أو المادة . وتجلى ذلك في سفرة لدولة المغرب ذات صيف عندما تبين أن بعض أفراد المجموعة سجلوا على قائمة الانتظار الـ waiting list ونحن من بينهم، وكيف بذلت مي أبو لافي جهودا جبارة وتكلفت ربما مبالغ مالية طائلة لتأمين عودتنا بأسرع وقت ممكن إلى بلدنا وديرتنا المقدسية.
ومن هنا أدرك الصاحب أن أبناء بهذه المواصفات الخلقية الراقية لا بد أن يكونوا صنيعة أب وأم فاضلين وهو ما عرفه الصاحب لاحقا من أيادي بيضاء للدكتور محمود في عديد من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية ومن بينها، كما تبين لي لاحقا على سبيل المثال لا الحصر، “بيت الرحمة” للمسنين في جبل المكبر بمعية الشيخ د. عكرمة صبري ونخبة مختارة من شخصيات القدس المشرفة على إدارة هذا البيت الدافئ الرحيم .
والمتابع لنشاطات وأعمال دكتور محمود أبو لافي في خدمة مجتمعه المقدسي يجدها بعيدة إلى حد بعيد عن العلنية والتظاهرية وترتدي طابع “التخفي” أو العمل في الظل دون شوشرة أو زعبرة فارغة لأنها تؤمن بمقولة، “بدنا عنب ما بدنا نقاتل الناطور”، ويبدو أنه وأولاده قد درجوا على هذه العادة الهادئة بالعمل الصامت والهادئ بعيدا عن الفشخرة والتظاهر الكريه، وهذا لعمري هو عين الصواب.
د. محمود أبو لافي العامل بصمت وهدوء ينطبق عليه بامتياز لقب رجل الظل الذي يمارس قناعاته في خدمة مجتمعه على طريقته الخاصة والهادئة والمثابرة بحيث لا تكاد تسمع له صوتا أو حسا وكأنه جندي مجهول غير موجود. لنقدم أجمل التحيات الطيبات لهذا الإنسان والطبيب الهمام المكافح الذي يعمل ابتغاء وجه الكريم الرحيم ولخير وطنه وشعبه .