أحفر نفقي
ياسمين كنعان
على نحو ما مازلت أحفر نفقي بقلمي، أتعثر، وأصاب بنوبات من اليأس، يلازمني شعور باللاجدوى، تفتر عزيمتي، يجتاحني جنون لحظي ومتكرر وأكسر القلم، أحيانًا كثيرة أقضم أظافري وألوك أوراقي، وأنهار فوق الكلمات ولا أتوقف عن النشيج إلى فجر اليوم التالي، أضيع الطريق والطريقة والكلمات واللغة، يصدأ فانوس الأمل، وتذوي الفتيلة، أكف عن المحاولة وأنا ألعن حظ الضعفاء، أكتب أشياء بلا روح ولا معنى، أشتبك مع ذاتي في أحايين كثيرة، أصرخ، وأحيانا أترفق بصورتي المرتجفة، أشفق على العمر الذي سيذهب سدى، وأسخر من شرف المحاولة..!
أمد لي يدي، أتشبث فيّ إذ لا أجد في النفق سواي، أقيم الجدران المتداعية مرات ومرات، أنفض غبار اليأس عن قلبي وأعيد الحفر من جديد..!
لا أعول كثيرا على النهايات ذات البريق الخاطف؛ من قال إن النجاة من سجن الحياة أو كسر الأصفاد ليس من المستحيلات؛ بل هي في أعلى هرم المستحيلات..!
تسألني مرارا، وأنت تراني منكبة على كومة أوراق، غارقة في بحر أبجدية أحاول دون جدوى فك طلاسمها؛ تسألني “ماذا تفعلين؟!” أُجيبك باقتضاب الجواب المعهود”أحفر نفقي..!” تقول “بالقلم؟!” أقول “بالقلم، وهل أملك سواه؟!
تسألني مرة أخرى إن كنت مسكونة بقصة السجناء الستة الذين حفروا نفقهم بالملعقة، وأقول لك “نعم ، لقد ألهمتني قصتهم الكثير..!”
تسألني “وهل يستحق الأمر كل هذا العناء..؟!” واقول لك “لا أدري هي محاولات لمعانقة الشمس ولو لهنيهة قصيرة..!”
تسألني “من يكترث لقلم امرأة مثلي..؟!” وأقول لك “لا يهمني؛ ربما كنت أنت أو أي قارىء عابر؛ قلتها لك مرارا هي محاولات لكسر حاجز الصمت، أو ربما لتعرية هذا الواقع، أو لنزع المسمار الأخير لتصير الروح حرة، لا أريد لروحي أن تبقى عالقة في مكان لا يشبهها، أحاول أن أحفر لها نفق النجاة..الجسد يفنى على الصليب والروح تحلق حرة إلى السماء الثامنة..!