حول حديث موت الرسول ودرعه عند يهودي
د. خضر محجز | فلسطين
سُئلت عما قيل من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، فأجبت على البديهة متسرعاً بأن الحديث غير صحيح.. لكنني حين راجعت المصادر عجبت من عجلتي فاستغفرت الله واستغفرت السائل.. ولكنني أعود فأتأمل الروايات التي وردت في الصحيح وهي:
ــ عن أمنا عائشة، رضي الله عنها، قالت: « اشترى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من يهوديٍّ طعاما بنَسيئةٍ ، وأعطاه دِرْعا له رَهنا». وفي رواية : «اشترى طعاما من يهوديٍّ إلى أجل ، ورَهَنَهُ دِرْعا لَهُ من حديد». أخرجه البخاري، ومسلم ، والنسائي.
ــ وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، : قال: « رهن النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، دِرْعَهُ بشعير، ومشَيْتُ إِلى النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، بخُبزِ شَعِيرٍ وإِهالةٍ سَنِخَةٍ، ولقد سمعتُه يقول : ما أصبح لآل محمدٍ إِلا صاعٌ ، ولا أمسي. وإنهم لَتِسعَةُ أبيات». أَخرجه البخاري، والترمذي والنسائي.
ففي هاتين الروايتين، عن أنس وامنا عائشة، إثبات للرهن، دون ذكر الوفاة قبل فك الرهن.
ــ وعن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت: « تُوفِّيَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودِرْعُهُ مَرهونةٌ عند يهوديٍّ في ثلاثين صاعا من شعير». أَخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
أما في هذه الرواية فإثبات للرهن عند اليهودي، مع تأكيد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، قبل فك الرهن.
التحقيق: من حيث السند:
لقد ثبت عن عائشة قصة الرهن، ثم ورد التردد في الوفاة قبل فكه. ويبدو أن أحد الرواة قد وهم، فذكر الوفاة منسوبة لكلام أمنا عائشة. فكلام عائشة مختلف في الروايتين، فيما جاء كلام أنس خادمه صلى الله عليه وسلم، دون ذكر للوفاة قبل فك الرهن. ولو أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مات قبل فك الرهن، لعلمنا أن أبا بكر رضي الله عنه، فك ذلك الرهن بعد توليه الخلافة فوراً. ولم يصل إلى علمنا شيء من ذلك، بأي نوع من الروايات.
ولا نستغرب من وجود راو يهم في أحد الصحيحين، فلقد سبق أن رأينا مثل ذلك يحدث في حديث الإسراء عند مسلم، إذ قال النووي في شرحه: «وقد جاء فى رواية شريك فى هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء. وقد نبه مسلم على ذلك بقوله: “فقدم وأخر وزاد ونقص”».
من حيث المتن:
لا ريب أن المتن مضطرب هنا، فالرسول حين مات لم يكن يهود في المدينة، حيث كان قد أجلاهم عنها مبكرا، إلى خيبر، وهي بعيدةٌ، لا يعقل أن يسافر إلها الرسول ليرهن درعه فيها، في حين أن خراجها يُجبى إليه منذ سنوات.
النتيجة:
سنقبل انه صلى الله عليه وسلم قد رهن درعه عند يهودي، قبل جلاء اليهود عن المدينة، ثم فك الرهن قبل أن يجليهم. وبذا فنحن لا ننفي من كتاب البخاري إلا ما ثبت استحالة حدوثه.
والله أعلم.