الآداب والفنون في رؤية عُمان 2040
شيخة الفجرية | كاتبة عمانية
الآداب والفنون ميزة حضارية تتفاضل وتتفاصل بها الشعوب في جميع أجزاء العالم، في الماضي والحاضر، فنجد بلدانًا وشعوبا تتسم بسمات حضارية أكثر من غيرها، نتيجة المِراس المتعدد في الفن والأدب. وعُمان لا تقلُّ عطاءً من هذه الشعوب، ولكن المنجز الملموس على مستوى الفن والآداب بحاجة إلى عناية كبيرة، وجهود أكبر، وتمويل لا محدود، ففي هذه الأرض ما يستحق كل ذلك.
وهو ما لمسناه من المقام السامي ونحن في بداية تولي جلالته حكم البلاد، فقد بدأ بتنفيذ الرؤية المستقبلية ” رؤية عُمان 2040″، ورؤية عمان 2040، خطة تنموية، تمت بأمر سلطاني في 22 ديسمبر 2013، وذلك في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه-، الذي كلّف السيد هيثم بن طارق -حينها- بمتابعتها، وجاء في أمر تشكيلها؛ بأن يتم: ” إعداد الرؤية المستقبلية 2040 وبلورتها وصياغتها بإتقان ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع ومشاركة فئات المجتمع المختلفة، حيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمستقبل بموضوعية ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين”. وعليه قامت رؤية عمان 2040 على ثلاثة محاور أساسية، هي:
ـ الإنسان والمجتمع
ـ الاقتصاد والتنمية
ـ الحوكمة والأداء المؤسسي
وترتكز الرؤية على تنويع الاقتصاد العماني دون الاعتماد على عائدات النفط. وقد أقرت الرؤية من قبل السلطان هيثم بن طارق -أعزّه الله-، في 15 ديسمبر 2020، وفق المرسوم السلطاني رقــم 100/2020، الذي حدد إنشاء وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي، وجاء في خطاب إقرارها إلى أنها: ” خلاصة جهد وطني وتوافق مجتمعي وأن نجاحها مسؤولية الجميع دون استثناء كل في موقعه”، وأعلن السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله- دخول رؤية عمان 2040 إلى حيز التنفيذ في 1 يناير 2021 وستستمر حتى نهاية 31 ديسمبر 2040. وقال السلطان هيثم بن طارق -أعزّه الله- عند إطلاقه للرؤية ” إن رؤية عمان 2040 هي بوابة السلطنة للعبور للتحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو والثقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في كافة محافظات السلطنة”.
ومن أهداف هذه الخطة التنموية -رؤية عمان 2040-، أنها تسعى لأن تحقّق في العام 2040، مجموعة من الأهداف، منها:
تحسين تصنيف عمان ضمن مؤشر الابتكار العالمي، وتحسين تصنيف عمان ضمن مؤشرات الحوكمة العالمية – الكفاءة الحكومية، وتحسين تصنيف عمان ضمن مؤشر التنافسية العالمية – ركيزة المهارات، وزيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين تصنيف عمان ضمن مؤشر التنافسية العالمية، ورفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وتحسين تصنيف عمان ضمن مؤشر الأداء البيئي، ورفع نسبة الاستثمار الأجنبي من إجمالي الناتج المحلي، ورفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، ورفع حصة القوى العاملة العمانية من إجمالي الوظائف المستحدثة في القطاع الخاص.
والآن يرى العماني كل طموحاته متجسدة في رؤية عمان 2040، لأنها صيغت بأفكار الشباب العماني على كافة المستويات، في التعليم والاقتصاد والتراث والثقافة والسياحة والفنون إلخ…
كل ذلك لرسم الصورة المستقبلية لعُمان وشعبها، ليكون “مجتمع معرفي ممكن، معتز بهويته وثقافته”، فكان من أبرز أولوياتها الوطنية – رؤية عُمان 2040- “المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية”. وقد سبق لسلطنة عُمان الانضمام لاتفاقية “صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2005″، سعيًا للتنبه ” لأخطار التدهور والزوال والتدمير، لاسيما بسبب الافتقار إلى الموارد اللازمة لصون هذا التراث”، الذي تعرفه الاتفاقية على أنه “الممارسات أو التصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، ما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات، وأماكن ثقافية التي تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحيانا الأفراد جزءا من تراثهم الثقافي”، وتمثل الآداب والفنون أهمية كبيرة في رؤية عمان 2040، إذ تأتي في أوائل الأهداف، وهي كذلك في اتفاقية “صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2005″، فهي تمكن الشعب العماني من “المحافظة على تراثه، وتوثيقه ونشره عالميا”، وذلك بـ”اعتماد سياسة عامة تستهدف إبراز الدور الذي يؤديه التراث الثقافي غير المادي وإدماج صون هذا التراث في البرامج التخطيطية”، وهو ما انعكس على رؤية 2040، بالتأكيد على “تعزيز مراكز التدريب على إدارة التراث الثقافي غير المادي ، وتيسير نقل هذا التراث من خلال المنتديات، والأماكن المعدة لعرضه والتعبير عنه”، فمن بين أهداف رؤية عمان 2040 “استثمار مستدام للتراث والثقافة والفنون، يسهم في نمو الاقتصاد الوطني”، و”إنشاء مؤسسات مختصة بتوثيق التراث الثقافي غير المادي وتسهيل الاستفادة منها”، “احترام الممارسات العرفية التي تحكم الانتفاع بجوانب محددة من هذا التراث”. لهذا فقد نظَّم النادي الثقافي جلسة حوارية عن ” الآداب والفنون في رؤية عُمان 2040″، في قاعة الفراهيدي فترة انعقاد الدورة الـ 26 لمعرض مسقط الدولي للكتاب، وشارك في الجلسة الأكاديمي الباحث المكرم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي عضو مجلس الدولة، والباحث والفنان التشكيلي الدكتور سلمان بن عامر الحجري، ونهاد بنت علي الهادية، رئيسة فريق خارطة الصناعات الثقافية والإبداعية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وأدارتها الإعلامية شيخة المحروقية.
تحدَّث الشعيلي في بداية الجلسة عن الأطر التي وضعت في الاستراتيجية الثقافية ورؤية عُمان 2040، و”التي ركزت على إيجاد إنسان مبدع ومعتز بهويته في آن واحد”، كما تناول “القوانين والتشريعات اللازمة لإيجاد مناخ مناسب للعمل الأدبي والفني ودور القطاع الخاص في الاستراتيجية الثقافية ورؤية عُمان 2040 بشكل عام في القطاع الثقافي والأدبي وأهم القوانين والحوافز والشروط التي وضعتها التشريعات للاستثمار في الآداب والفنون”. أمَّا الحجري فقد تحدث عن ” تحويل المنتج الفني إلى مادة اقتصادية لتكون مشاريع تجارية ومصدر دخل للفرد، إضافة إلى المشاريع التجارية الفردية في مجال الفنون، ومساهمتها في تحقيق رؤية عُمان 2040 التي تركز بدورها بشكل كبير على الإنسان المبدع والاقتصاد التنافسي وتدعم محور البيئة المستدامة”.
كما تحدثت نهاد الهادية عن “مختبرات الصناعات الثقافية والإبداعية وقدرة الشباب العماني على استيعاب مفهوم الصناعات الثقافية والإبداعية كقطاع استثماري ومحور رئيس في الاستراتيجية الوطنية”، وتناولت أيضًا مجموعة من “الدراسات والأبحاث المتعلقة بدراسة سيكولوجية الجمهور ومدى قابليته لاعتبار الثقافة أسلوب حياة أكثر من كونها ترفا، ومعرفة توجهات المستهلك العماني للمنتجات الثقافية وغيرها من الدراسات التي تهيئ الأرضية الثابتة لهذه الصناعات، إضافة إلى المراحل التالية لخارطة الصناعات الثقافية والإبداعية حتى تحقق دورها في دعم رؤية عُمان 2040”.
ولا شك أن كل ما جاء في الجلسة الحوارية التي تناولت الآداب والفنون في رؤية عُمان 2040، كان محط اهتمام من الحضور في معرض الكتاب، وكانت هنالك نقاشات عرجت على المتاح وهو كبير في هذين المجالين، فالفنون والآداب عريقة بعراقة عُمان عبر التاريخ، وما ينتظره المشتغلون في هذين المجالين كبير أيضًا؛ وكل ما يرجوه الجميع أن تلبى الطموحات من أجل عُمان وشعبها الكريم.