أمريكا ومافيا التوريط
عدنان الصباح
لم يعد خافيا على أحد ان امريكا قد اصبحت سيدة التوريط في هذا الكون بعد ان جربت الورطات مرات ومرات وخبرتها بنفسها وأخذت وقتا طويلا لتتعلم الدرس فلم يكفيها ابدا درس فيتنام ولا درس العراق الى ان انتهت بدرسها الاخير في افغانستان ولعله من الواجب القوال ان صانع الامبريالية الامريكية الحديثة هو دونالد ترامب ولا احد سواه ام انه مفجرها الاول بعد ان وقع قرار الانسحاب من افغانستان واجبر دولا عديدة على فتح خزائنها بالقوة لتدفع له ثمن حمايته ولتدفع لمشاريعه اينما كانت بل انها أوجدت فكرة الحرب بالوكالة فهي تقريبا انسحبت من حربها في سوريا وتركت الاخرين يقتتلون هناك وقامت بدور المتفرج لا اكثر كما فعلت ذلك كثيرا وفي مناطق مختلفة من العالم فهي صاحبة اليد في ادارة الحروب في الوكالة فقد اوجدت من يمول ويشتري السلاح منها ليرسله لمن يقاتل نيابة عنها في حروب عديدة لا تخدم سوى مصالحها ومشاريعها الشيطانية.
اخر انجازات مهنة التوريط الامبريالية الامريكية الابشع كانت حكاية اوكرانيا التي ساهمت امريكا نفسها ومعها بريطانيا وروسيا في تجريدها طواعية من السلاح النووي الاخطر مقابل ورقة ضمانا بودابست واتفاقية لشبونة التي تبين جيدا انها لا تغني ولا تسمن من جوع واوكرانيا نفسها التي رفضت دول حلف ناتو القبول بها عضا في الحلف ورغم ذلك امتنعت عن اجابة طلب بوتين بتقديم ضمان من الحلف بعدم قبولها وشجعت الرئيس الاوكراني على تحدي الارادة الروسية مما اثار حفيظة موسكو وطوال فترة الازمة الباردة ظلت دول الناتو تقوم بدور التوتير لكنها لم تسعى ابدا الى أي نشاط دبلوماسي للتوسط بين الطرفين فهي لم تدعو مجلس الامن للانعقاد ولم تطلب من الامين العام للأمم المتحدة القيام باي وساطة ولم تلمح لأي من دول العالم فعل أي شيء وعلى العكس من ذلك ارسلت اشارات قوية لأوكرانيا انها لن تتركها وحدها وقدمت كل المبررات لبوتين لاقتراف ورطة الحرب على دولة جارة لها وتركت كل الامور تتطور حد الحرب لتعلن تحركها الاسرع في التاريخ لتوقيع العقوبات وتنفيذ الدعم المحدود والمورط اكثر لأوكرانيا قبل روسيا وامتنعت عن القيام باي عمل استراتيجي قد يساهم في ايقاف الحرب معللة ذلك بعدم امكانية حدوث المواجهة المباشرة مع روسيا وكان كل العقوبات الاقتصادية التي لم يسبق لها مثيل ليست مواجهة.
الامر بكل بساطة كما هو دائما الحر بالاقتصادية في النهاية فأمريكا وتابعيها يريدون استعادة مكانة القطب الواحد وما يجري على الارض يشير ان روسيا تتقدم باتجاه اعادة دور المحورين للعالم من جديد وهي تحاول الخروج من حدودها الاقليمية وبل والاوروبية ايضا وتسعى الى عقد تحالفات ومحاور جديدة في كل القارات وفي سبيل ذلك سعى بوتين لاستعادة العلاقة الرابطة بين الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي السابق على قاعدة العدو المشترك واستمالت لأجل ذلك ايران وحاولت فعل الشيء نفسه مع تركيا بل ولم تترفع عن اقامة علاقات اقتصادية مع حلفاء اصيلين لأمريكا كالعربية السعودية وعرفت الطريق الى الهند ايضا ولم تقف على الحياد في موضوع افغانستان وهكذا بات امام امريكا حيثما وجدت ضيفا ثقيلا يحاول استعادة وراثته للاتحاد السوفياتي عبر العالم حتى ان بوتين وحكمه باتوا يستخدمون نفس اللغة القديمة في مواجهة الامبريالية وعادت الى الواجهة تعابير النازية والعنصرية والشوفينية وكأنها تعود من جديد للحرب بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الامبريالي.
بوتين نسي جيدا ان هناك فرق شاسع بين ما كان وما هو كائن الان أي بين رسالة الاشتراكية السوفياتية والمنظومة الاشتراكية العالمية المنتشرة في كل بقاع الارض دولا وقوى واحزاب وجماهير وبين حال اليوم الواضح امام الجميع ان حرب المصالح هي الاساس وان لا احد سيحارب من اجل الاشتراكية السوفياتية بل من اجل الرأسمالية الروسية لا اكثر ولا اقل وهو ما يجعل الصين والهند وحتى ايران تحاول الوقوف قريبا من الجدار دون ان تلقي بنفسها في معركة يعلنون رفضهم لتطورها واعلان الحرب وان كانوا لا يعلنون معاداتهم لروسيا مناكفة لامريكا لا اكثر ولا اقل الا ان الحقيقة ان كوبا التي وجدت الاتحاد السوفياتي في حمايتها بكل قوة في ازمة خليج الخنازير لن تكون لدى روسيا تلك الدولة او الدول المستعدة لتعريض مصالحها للخطر دفاعا عن روسيا الرأسمالية بعد ان تم اعدام الاشتراكية علنا وعلى يد صانعيها في الكرملين نفسه الذي استقبل لينين ليصل ال يد غورباتشوف الشيوعي الاخير الذي سلم الاحاد السوفياتي برمته طواعية لحاول معول الهدم ليهدم الاتحاد ويلقي بشاكوشه في البحر فلا اشتراكية لا على الارض ولا على العلم.
بوتين اليوم على مفترق طرق خطير في ادارة ازمة هي الاخطر فهو لم ينتصر بسرعة ولم يتوقف بسرعة ولا زال يواصل الحرب واذا لم يتمكن من احراز نصر نهائي باستبدال الحكم في اوكرانيا بحكم جديد يتوقف عن الاستغاثة بالغرب ويوقع على معاهدة تحالف مع بوتين فان القادم بلا شك كارثي لكل اصحاب المصلحة في استعادة القطبين الضروريين لعالم قادر على الحياة بدون اليد القذرة للإمبريالية الامريكية شيطان القرن 21.
ان اطالة امد الحرب لن تصب ابدا في بحر عالم القطبين بل ستقدم روسيا كبلد عاجز لا حول له ولا قوة امام بلد صغير وجد تحالفا دوليا صلبا الى جانبه وستدفع روسيا واوكرانيا ثمن هذه الحرب دما ودمار ومال وسيقبض كل من فتح خزائنه لدعم اوكرانيا الدولار نفسه عشرات المرات ولكن من ثروات روسيا واوكرانيا وهما بلدان غنيان بثروات الارض المتنوعة.