تعز الأبيّة .. بين أحضانها الندية

عبد الغني المخلافي | اليمن

قريتي.. مسقط رأسي . تحت زرقة سمائها قوى عودي.. أينعت أزاهير شبابي .. استنارت مدارك وعيي.

كل ذكرى من ذكريات طفولتي الحميمة فوق تراب أرضها الغالية أغنية تغنيها خواطري  ..سنوات طفولتي الحالمة – أنقى مراحل عمري فيها .. ببراءتها وجنون شقاوتها .

أعود أتذكر نزقي بين أحضانها الندية. قلبي طافح بحب أهاليها البسطاء . وسط مروج وديانها محتضن كل شيء

في وجداني.

متسللة أقدامي كالعادة ، واقفة أمام باب داري. نظري الحاد يجول عله يقع على أحد أترابي الصغار.. أترابي أنا أنزقهم وأشدهم تعلقا وشغفا باللعب ،عندما المح  أحدا منهم تتهلل منتشية أساريري . نحوه أذهب ، أدنو واقفا جواره .تتشابك أيادينا .لا نلبث حتى نثب . عن بقية أترابنا نبحث . نتجمع.  عددنا يكتمل . نختار لعبتنا  .. كثيرة لعبنا. لا زلت أذكر بعضًا منها . “الثعلب فات فات”  كوز كوز ونمر”  الذئب ذيب” ولعب أخرى لم تعد عالقة أسماؤها في ذاكرتي ..

يطرح  بسرعة البصر واحد منا فكرة لعبته ، لا أحد يعترض وإن كانت لديه رغبة بلعبة أخرى.  يكفل يومنا الطويل لنا الكثير من اللعب.

أقدامنا الصغيرة تمضي بنشاط ومرونة فائقة ،تارة صاعدة وتارة هابطة. قلوبنا باسمة حالمة وسط اخضرار تلال قريتنا .أقدامنا لا تتعب وأبداننا لا تشتكي .

عند أصيل يومنا السعيد ثمة شمسه  منحسرة نحو المغيب تاركة  بين أحضان جبالنا حمرة شفق احتضار قرصها القاني أعيننا شاخصة تترجاها أن لا تحرمنا ضوء وجهها الدافئ.

يعقبها الليل مداهما بعباءته الحالكة أكناف ملاعبنا.

تكون تناهت إلى مسامعنا أهازيج  النسوة العائدات من المراعي والشعاب خلف قطعان مواشيهن مرددات “طاهش بكاله قد كان أكلني على بعارة” “ليلبوه روح .. ليلبوه والليل” “وعشي وصبح.. وابن عم الليل “.

جمعنا يتفرق . وجلين نؤوب . نحث الخطى صوب أبواب منازلنا المشعة بأضواء الفوانيس الزيتية.

أجسادنا تستلقي بعد سماع حكايا وأقاصيص الجدات مسترخية فوق مضاجعنا المحاطة بدثار حنان أمهاتنا الرؤومات.

أسراب النوم تغزونا. في هجوعنا نسعد  منعمين بأحلامنا الوردية.

هوامش..

  • (الثعلب فات فات )
  • (كوز كوزونمر)
  • (الذئب ذيب)
  • أسماء لعب شعبيه خاصة بالصغار تتواجد شعبيتها في قرى عديدة من محافظتنا .
  • (طاهش بكاله قد كان أكلني)
  • (ليلبوه روح ليلبوه وليل)
  • أهازيج شعبية ترددها النسوة في القرى عند حلول الليل.

تعز : 1990

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى