نكتب اليوم وغداً عن الظل والصوت وعبق البدايات نحن أبناء الأمهات الراحلات
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
الواقفين على مسافة مضطربة من تواريخ الوفاة، نقترب بحذر وعيون قلقة من الفزع المتجدد بعد منتصف الليل حين تفرغ الوحشة أنينها في حناجرنا فننهض من غربة قاسية، لنرانا في اختلال الوقت نلوح لقبورهن البعيدة بأجساد هشة، بالكاد تفصح عما في دواخلنا من أحزان ودمع ..
نكتب اليوم وغداً …
ليس لأننا ننتظر هذا اليوم بالذات لنكتب أو نتذكر بل لأننا نحاول في الكتابة استعادة الوقت المضارع من فعل الغياب لنعالج جرحاً غير مندمل في ذاكرة مصابة بالحنين …
نكتب لأننا نحاول الاتزان ولو قليلاً على حافة الصمت المريب، كي لا يسحق عظامنا تعب الروح المدجج بالغياب …
نكتب، كي لانفقد دفء النداء في دواخلنا، النداء المقدس الصاعد من أعماق الروح كاستغاثات متواصلة في حروف قلقة: يا أمي …
في بلاد غير بلادنا المسيجة بكل أشكال الجدران والمشقة والحواجز العسكرية المرئية وغير المرئية كان بالإمكان الوصول إلى قبور الأمهات دون الحاجة إلى تصاريح مرور مؤقتة، تمزق ما تبقى من صواب آدمي بوحشية مفتعلة …
في بلاد كبلادنا مكبلة بالفولاذ العسكري والرصاص والقذائف، نلوح لهن كما لو أن الوقت غير هذا الوقت الطاعن في الحزن والتعب …
في يوم مثل هذا اليوم كانت رجاء بسيسو تنتظر كل عام هذه اللحظات لتقرأ ما يكتبه لها ابنها الوحيد في عيد الأم …
وحين يرن جرس الهاتف، بعد منتصف ليلة الواحد والعشرين من آذار، يأتي صوتها بكل لهفة وفرح وبدون مقدمات: اقرأ لي ما كتبت …
لا شيء يمكن أن أكتبه لكِ اليوم يا أمي سوى أنني أفتقدك ملء هذا الكون وأكثر …
كل عام وأنتِ الحياة المتجددة في تفاصيل الوقت …
إلى جميع الأصدقاء عانقوا أمهاتكم طويلاً، عانقوهن دون سبب محدد، فوجودهن في الحياة سبب كاف للعناق …
كل عام وجميع الأمهات بألف صحة وخير وعطاء …
الرحمة لأمي وجميع الأمهات في الأبدية المقدسة …