الندم جسرٌ بينك وبين المعصيةِ

خالد رمضان | تربوي مصري – صلالة- سلطنة عمان
شعورُ خفيُّ يسري في عروقِ الصالحين على جُرمٍ اقترفوه، تكادُ تنفطِرُ قلوبُهم جرّاءَ ما فعلوه، فيتسلّطُ ضميرُهم عليهم كالسوسِ ينخرُ في العقول والقلوب، فلا يرقأُ لهم دمعٌ، ولا يسكنُ لهم مضجعُ حتى يمحوا آثارَ ذنوبِهم.
هذا كعبُ بن ُ مالكٍ كان ممن تخلّفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك، وبلا عذرٍ هو وصديقاه: مرارةُ بن الربيعِ، وهلالُ بنُ أميّةَ، فأمرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بمقاطعتِهم، فأظلمَت الدنيا في أعيُنِهم، حتى يقول كعب: دخلْتُ المسجدَ فوجدْتُ رسولَ الله -عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليمِ- فألقيت عليه السلامَ، ثم ثأملتُه، هل حرّكَ شفتيه بردِّ السلامِ أم لا؟
إنه الندمُ الذي دفعَ أبا ذرٍّ الغفاريّ حينما عيّرَ بلال بن رباح بقوله: يابن السوداءِ، فلم ينبس بلالُ ببنتِ شفه، وشكاه لرسولِ الله، فغضِبَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- فقال له: إنّك امرؤٌ فيك جاهليّةٌ!
فارتجفَ أبو ذرّ ندمًا على ما فعلَ، فوضع وجهَهُ في الترابِ وقال: والله لن أرفعَ وجهيَ حتى يطئ بلالُ وجهي بقدمِه فأبى بلال.
ما أجملَ الندمَ حين يخرجُ من نفوسٍ نقيّةٍ أبيّةٍ تعرفُ خطأها، وتبغضُ ذنوبَها، فتتوبُ وتؤوبُ دون مكابرةٍ ولا معاندةٍ.
كليمُ اللهِ موسى – عليه أفضل السلامِ – حين أحسّ أنّه أخطأ بادعائِه العلمِ، انظرْ إليه كيف انصاع للعبدِ الصالحِ، وتحمّل قسوتَه ندمًا على جرأتِه.
وهذا خليفةُ رسولِ الله، وثاني اثنين يقول: ما ندمتُ على شئٍ كندمي على ساعةٍ لم أذكرْ فيها الله.إنما الندمُ منحةٌ ربّانيّةٌ تدلُّ على مغفرةٍ إلهيّةٍ.
وهذا هارونُ الخرساني الذي ألقى أمّه في التنّور حينما كان مخمورًا، فظل يحجُّ بيتَ الله أكثرَ من ثلاثينَ عاما ندما على فعلتِه حتى رأى مالك بنُ دينار رؤيةً تُبشّرُهُ بالمغفرةِ.
ليس عيبًا أن يخطئَ الإنسانُ، إنما العيبُ أن يتمادَى في خطئِه في علوٍّ واستكبارٍ، ولا تيأسْ من رَوحِ الله، فبعد أن قتلَ الرجلُ مئةَ نفسٍ ألجأهُ الندمُ إلى عفوِ اللهِ عنه، بل تعجبُ من ذلك الرجلِ الذي وقعَ على زوحتِه في نهارِ رمضانَ فجامعَها، وذهب لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-يصرخُ: احترقتُ يا رسولَ الله، وأخبره، فطمأنه النبي وقال له افعل كذا، أو كذا، أو كذا فلم يستطع الرجل، فأعطاه النبي بعضَ حفناتٍ من تمرٍ وقال له: تصدّقْ بها على بعضِ الفقراءِ، فقال الرجل: وهل في المدينةِ أفقرُ منّا؟
فتبسّم النبيّ وقال له: خذها واذهبٰ.
اعلم أن الندم جسرٌ بينك وبين المعصيةِ يصلُ بك إلى برّ الأمانِ، لكن حين يموتُ بداخلِك ذلك الإحساسُ، فلا تندمُ على معصيةٍ، ولا تأبهُ بفعلةٍ مشينةٍ، فاعلم أنّك على حافةٍ وقد تزلّ قدمُك بعد ثبوتِها فتهوي بك إلى ما يُحمَدُ عُقباه.
وهذا ما حدث مع القائد الفرنسي نابليون بونابرت فعندما فقد أكثرَ من ثلاثينَ ألفٍا من جندِه في معركة “فاغرام” للم يشعرْ بالندم، فقط شعر بسوء المزاج.
وأخيرًا لنا في أبينا آدمَ المُثُلُ العليا أوّلُ من ندم على معصيةٍ، فتاب الله عليه حين قال تعالى: «ولم نجد له عزما».

قلّبتُ وجهيَ في السماءِ وفي الثرى
وأنا الطريدُ فلم أجدْ إلّاكَ

^^^^
من ذا الذي يُصغي سواك لشكوتي
هل لي سواك لأشتكي لسواكَ

^^^^
فبحقّ هذا اليومِ والنورِ الذي
أطلقتَه من طينتي فدعاكَ

^^^
اغفر لعبدِك في أوّلُ زلّةٍ

أخطأتُ عن جهلٍ وحسبي ذاكَ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى