حضرة السّفير الرّوسي: فكّر بغيرك
سهيل كيوان | فلسطين
قال السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، إن “إسرائيل تضرب في سورية بهدف استفزاز روسيا للردّ، ومن ثم فَتحُ مجالٍ للغرب، لأن يتدخّل بما يدور على الأرض السورية!”
نطق السفير بهذه المقولة الاستهبالية خلال استضافته من قبل اتحاد الكتاب العرب في دمشق يوم أمس الخميس.
يُفهم من كلامه بأنه لا يوجد تنسيق بين روسيا وإسرائيل حول الغارات التي تشنها إسرائيل على فترات متقاربة ضد وحدات من الجيش السوري ومقاتلين من حزب الله اللبناني ومن الحرس الثوري الإيراني، علمًا أن التنسيق بات علنيًا وحتى عادة روتينية لا تنكرها روسيا ولا إسرائيل ولا نظام سورية ولا حزب الله ولا إيران، ولا أي مواطن عادي.
آخر التصريحات التنسيقية كانت لوزير الخارجية، يائير لبيد، في اليوم ذاته، بأن إسرائيل لم تتخذ موقفًا من الحرب إلى جانب أوكرانيا، لأنها لا تريد أن يقع طيّاروها في الأسر.
أي أن التنسيق موجود ومستمرٌ لأنّه في مصلحة الطرفين.
إذًا كيف نفهم مقولة سعادة السّفير يفيموف بأن إسرائيل تسعى لاستفزاز روسيا؟!
فالتنسيق متقدم جدًا لدرجة أن القيادات الإسرائيلية أعلنت أكثر من مرة بأن هذا الأمر لا يناقش على المنابر الإعلامية، لوجود قضايا سرّية أكثر أهمية من تلك المُعلنة.
المهم أن السّفير قال هذا الكلام خلال لقائه مع اتحاد الكتّاب العرب في دمشق، كما ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية للأخبار.
هل صفّق الكُتاب العرب لسعادته عندما صرح بهذا؟ أم صمتوا دهشة لجرأته على استهبالهم؟
لا شك أن الكتاب الذين التقوا به على قدرٍ كافٍ من الوعي بما يدور من حولهم، وبلا أدنى شك، أنهم كانوا يفضّلون لو أنّه لم ينطق بهذا منعًا للإحراج!
إنهم مساكين، كل ما أرادوه في اجتماعهم معه، هو التعبير عن وقوفهم إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، فنكّد عليهم تضامنهم بهذه المقولة السخيفة!
وكي لا نزاود على هؤلاء الأخوة، لن نقول إنّه كان عليهم أن يعلنوا رفضهم لهذا المنطق الذي يسمح باختراق سيادة سورية يوميًا بحجة تجنّب الاستفزاز، ولن نقول إنّ من واجبهم إصدار بيان توضيحي، لأنّهم سيتورّطون مع أذرع النظام، وهذا لا نتمناه لأي فرد منهم، ولكن فقط لأجل الحقيقة البسيطة، من واجبنا أن نلفت انتباه السفير بأن الكتّاب العرب ليسوا بهذه الدّرجة من السّذاجة، حتى ولو كانوا محسوبين على النظام.
نعرف أن الإنسان الكاتب في الأقطار العربية ليس حُرًا في التعبير عن آرائه السياسية، وعليه أن يتعايش مع هامش يضيق ويتسع أكثر أو أقل بين هذا البلد أو ذاك، وعمومًا لا توجد حرية تعبير بالمفهوم الغربي لهذا المعنى، ويتجلى هذا القمع في أسوأ صوره في سورية والسّعودية، بحيث أن موقفًا أو رأيًا مناوئًا للنظام، قد يودي بصاحبه إلى غياهب السجن، أو إلى ضرب مبرّح في الشارع العام من قبل “مجهولين”، أو حتى إلى مصير خاشوقجي.
روسيا لا تمنع الجيش السوري من الرّد على الطائرات والصواريخ الإسرائيلية، وذلك لحفظ ماء الوجه وبعد سلسلة طويلة من الغارات بلا رد، يعني بعد أن زادتها إسرائيل، قرّر النظام أنه سوف يرد على الغارات، وهذا أيضا يجري بتنسيق، روسيا تسمح للنظام بالرّد ولكنها في الوقت ذاته لا تزوّده بأسلحة قادرة على ردٍ رادع وحقيقي، فقد لوّحوا بمنظومة “إس 300” منذ سنوات، ولكن الجيش السوري لم يحصل عليها، لتبقى المعادلة بصورة مُرضية لإسرائيل وفي الوقت ذاته يغطي النظام عورته بردٍّ شكلي لم يسقط طائرة واحدة حتى الآن سوى طائرة نقل روسية.
إذًا إسرائيل تضرب ما تراه ضرورة لأمنها بتنسيق مع روسيا، والنظام السّوري يردّ بأسلحة تعود إلى حقبة السبعينات، باتت حقل تدريب للطيران الإسرائيلي، ولهذا نسمع بين حين وآخر عن استشهاد بعض الجنود السوريين خلال الغارات، أما اتحاد الكتاب العرب في دمشق، فعليه أن يتظاهر بالسّذاجة وأن يبدو مقتنعًا بتبريرات السّفير الرّوسي التي لم تعد تنطلي حتى على أكثر الناس حماسة للنظام.
لهذا باسم الأخوة الذين لا يستطيعون الكلام من أعضاء اتحاد الكتاب العرب في دمشق نقول مِن هنا “حضرة السّفير عيب عليك أن تستهبلنا، ثم يا أخي من سألك؟ ومن طلب منك تبريرًا؟ فلا أحد عاتب عليك”! يا أخي فكِّر بغيرك، وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيرك، بمن فقدوا حقهم في الكلام.