عشرة أصابع
د. أحمد جمعة | مصر
عشرة أصابع
هي كل ما أملك…
استعان أبي بواحدة
وضعها في عين الفقر،
ليضل طريق بيتنا
قبل أن ينهب آخر فلس مشاعر
قبل أن يبيع الحديدة
التي صرنا عليها
ليُطعم عصافير بطوننا الناعقة.
إصبع لأخي
الذي أكلت ماكينة الخراطة
سبابته،
يُؤدب بها لسان بندقيته
التي مذ دخلت الحرب ديارنا
ولا تكف عن الزعيق.
إصبع لأختي
تعضه عوضا عن أصابعها
التي أكلها الندم،
لتجفف بها دموعها التي تخدش ملامحها
لتضغط بها على زر الفرح
وتشعل الأضواء ولو لمرة واحدة
في قلبها.
إصبع لطفلتي
تضعها في فمها الذي هدّله الصراخ
تسكّن بها ألم الملح الذي
يلسع لسانها،
دموعها التي تسبح فيها
أسماك قرش
تهاجم صدر أمّها.
إصبع لصديقي
الذي أشعل أصابعه العشرة لحبيبته
فلم تطفئهم
وتزوجت غيره،
إصبع يضع بها دبلة الزواج
لكنّه وضعها في مؤخرة البلاد،
البلاد التي لم توفر له وظيفة
تجعله مؤهلا للزواج.
إصبع لابن جارتنا العاشق للموسيقى
لأنّه وُلدَ بلا أصابع،
ليغازل بها أصابع البيانو
ليحرك بها شفتي الكمان
ليجفف بها عين الناي الباكية
ويمسح بها على رأس القانون اليتيم،
ليعزف به أجمل الأغاني الضاحكة
على أوتار خد أمّه.
إصبع للمهمشين
ليوجهوها نحو البلاد التي داست عليهم
بقطارات الشعارات الفارغة
وهم تحت خطوطها،
ليتهموا بها العالم المنافق
الذي لم ينصفهم
ولو لمرة.
إصبع للموتى
الذين صارت أصابعهم ملكية للدود،
ليخرجوا في الليل
بعدما أدارت لهم عائلاتهم ظهورها
ويمسحوا بها شواهد قبورهم،
فاتحين باب التماس العذر أمام أنفسهم
إن لم يلتفت إليهم أحد.
إصبع لي
أحتفظ عليها بخاتم زواجي،
لئلا يصيب زوجتي الشك
وتوجه أصابعها العشرة في وجهي
ووجه كل من أهديته منّي
إصبعا.
إصبع أخيرة لأمّي الطيبة
التي كلّما دلقت دموعها عليها
عادت ليدي
أصابعي العشر!