أبو فراس والقمر… كأنه هو !
الأسير في سجون الاحتلال الصهيوني أسامة الأشقر
من حكايا الأسر الموجوعة والتي لا تنتهي هناك تفاصيل صغيرة كأنها عالم بأكمله فهي تختصر وجع عقود بأكملها فتأتي مكثفة جافة على شكل أحداث يومية قد لا تلفت انتباه المتبصر إن لم يكتوي بنار الأيام القاتلة داخل العتمة التي تحيط بأكوام الإسمنت التي نحتجز فيها، فهناك معان متعددة للحرية معان لا تقتصر على حرية الحركة والتنقل والاختيار والاحساس بقليل من الخصوصية التي يحتاجها كل إنسان فأن ترى شمس الصباح تغازل الندى والأزهار وتبعث الحياة في أفئدة الفراشات هي من الأماني التي يحن إليها الأسير والاستمتاع بصوت العصافير وأمواج البحر وحركة الرياح كلها أيضا أماني تأتي الأسير في أحلامه عشرات المرات دون أن يستمتع لمرة واحدة فيها، وهناك أسرى يمضون أكثر من أربعين عاما داخل سجون الاحتلال ومنهم من أمضى أكثر من خمس عشرة سنوات في مكان واحد دون أن يخرج منه ولو لمرة واحدة.
والأسير رائد الشافعي “أبو فراس” واحد من مئات الأسرى الفلسطينيين الذين يمضون أجمل سنوات أعمارهم داخل سنوات الاحتلال وقد فقد أغلى ما يملك وهو داخل هذه السجون حيث توفي والده رجل الإصلاح المعروف الحاج أبو الرائد، وصعق برحيل فلذتي كبده رانيا ودنيا التوأم الجميل الذي يفرح القلب حيث كان الفرق بين رحيل الأولى والثانية أيام معدودة فراق يصعق القلب ويدميه لسنوات عديدة.
كعادته يأتي أبو فراس يوميا صباحا ومساء للسلام والاطمئنان علي فزنزانتي تأتي الأخيرة من حيث ترتيب زنازين القسم لذا فهو يبادر دوما للاطمئنان علي. لكن لزيارته اليوم شكل ومضمون مختلف فنحن في نهاية يوم شاق وطويل حيث الانتظار لما ستسفر عنه حوارات ممثلي الأسرى مع إدارة سجون الاحتلال لتحقيق مطالبنا المشروعة التي انقضت عليها الإدارة في الفترة الماضية، وأثناء وقوفه على باب زنزانتي رقم 114 سألني سؤالا ” هل هذا هو القمر! متعجبا. نعم هو ، قال لي فعلا كأنه هو وعندما تيقن منه قال لي: في المرة الماضية رأيته وكان قد غاب عني أربعة عشرعاما وتسعة أشهر حيث رأيته لأول مرة في سجن جلبوع، حينها طلبت من رفيقي بأن نجلس مقابله فقط للاستمتاع بالنظر إليه!!!
هذا هو السجن لمن يجهل لغاية الآن ماذا يعني احتجاز أسرى لعقود طويلة داخل الزنازين ولمن لم يدركوا بعد حجم جريمة الاحتلال بتجفيف ذاكرتنا الإنسانية ومحاولة حرماننا من أبسط الحقوق الآدمية كالنظر للقمر أو للشمس ساعة الغروب و ساعة الشروق ولتفاصيل يومية قد لا يلقي لها من لم يكابد ظروف الاعتقال بالا، فبقدر ما هي بسيطة بقدر ما تشكل حلما يصعب تحقيقه للأسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال، هذا فيض من غيظ