داعش وإسرائيل: فوائد جمة (2)
نهاد أبو غوش | فلسطين
نشر موقع (واي نت) العبري تقريرا موسعا بتاريخ 29/3/2022 أعدته نينا فوكس واستطلعت فيه آراء عدد من الخبراء، وفيه تقر الباحثة اليزابيث تسوركوف بأن عددا من المواطنين الفلسطينيين والعرب تمكنوا من الانضمام لصفوف التنظيم حين كان يسيطر على أراضي واسعة في سوريا والعراق، إلا أن هؤلاء لا يمثلون خلايا إسرائيلية لداعش، وأشارت إلى أن التحاق عدد من المواطنين الإسرائيليين بداعش تم بمبادرات شخصية منهم وليس بناء على عمليات تجنيد من قبل التنظيم، وأوضحت أن كثيرا من أفكار التنظيم وأساليب عمله متاحة على وسائل التواصل الاجتماعي ويمكن لأي شخص الاطلاع عليها وتقليدها.
ويعتقد يورام شفايتسر الخبير في معهد دراسات الأمن القومي، بوجود خلايا نائمة لأشخاص يتماهون مع أفكار تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه يضيف أن هذه ليست ظاهرة منتشرة، ويجزم بأن إسرائيل ليست من ضمن أولويات تنظيم داعش، وهو يؤكد عدم وجود محفز خارجي لعمليتي بئر السبع والخضيرة مرجحا أن تكون خلفية العملية دينية وقرب حلول الذكرى الأولى لأحداث رمضان في العام الماضي.
وينفي البروفسور عوزي رابي رئيس مركز موشي دايان لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب احتمال وجود بنية تنظيمية لداعش في إسرائيل ويقول في التقرير عينه ” لا أعتقد أن هناك داعش في إسرائيل، هناك ذكريات عن داعش”، وهو يوضح بأن داعش تنظيم لا مركزي وأن من نفذوا العمليات الأخيرة هم أشخاص مُلهَمون وليسوا ناشطين.
وتظهر الصفحة الرسمية لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) أن عيون أجهزة الأمن الإسرائيلية لم تكن غافلة عن العناصر المؤيدة لداعش والذين سافر بعضهم للقاء قيادات التنظيم في الخارج، أو أنهم التحقوا به وقاتلوا في صفوفه، ففي 17/1/2015 نشر الموقع تقريرا عن قيام جهاز الشاباك بالتعاون مع الشرطة باعتقال سبعة أفراد من سكان الجليل، ويورد التقرير أسماء هؤلاء الذين اعترفوا بحسب الشاباك، بتشكيل مجموعة دينية سلفية جهادية تؤيد تنظيم داعش وأنشطته في سوريا، وأشار التقرير إلى سلسلة من الاجتماعات التي عقدها أفراد المجموعة واتصالاتهم بعناصر التنظيم في سوريا من دون أية إشارة إلى خطط ومشاريع لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، ويتضح من بيانات التحقيق أن أبرز الحركات العنيفة التي قام بها هؤلاء هي التدرب على إعداد قنابل حارقة (مولوتوف)، والتدرب على ركوب الخيل وذبح الحيوانات للاعتياد على رؤية الدم”.
فوائد جمّة
وثمة بيانات متعددة صدرت في أوقات قريبة عامي 2014 و2015 عن اعتقال مجموعة من ستة اشخاص في قرية حورة في النقب، وتوقيف شبان فلسطينيين من القدس، وإيقاف بعض المشبوهين في المطارات أثناء محاولتهم السفر للخارج للالتحاق بداعش، لكن مجمل هذه التقارير تقتصر على الحديث عن علاقة هؤلاء الأشخاص بنشاطات التنظيم في الخارج، وليس عن محاولات لبناء بنية تنظيمية في أوساط الفلسطينيين العرب في إسرائيل.
سبق لتنظيم داعش أن أعلن في مطلع العام 2015 عن إعدام شاب في التاسعة عشرة من عمره من الفلسطينيين العرب في إسرائيل، بزعم ارتباطه بأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وهو ما أمر لا يمكن التأكد من مصداقيته ليس فقط بسبب نفي عائلة الشاب، وإنما من سهولة اتخاذ هذا التنظيم قرارات الإعدام لأعضائه وخصومه على السواء، وبسبب طبيعة العلاقة الملتبسة بين داعش وإسرائيل التي تجعل من الصعب على الأخيرة اختيار شاب من دون اي تجربة لمصل هذه المهمات الحساسة.
ثمة فوائد كثيرة لا يمكن إنكارها تجنيها إسرائيل من وجود تنظيمات متطرفة على غرار داعش، وبخاصة أن هذا التنظيم قلّما دخل في صدام مباشر مع إسرائيل، وينقل الكاتب والأسير المحرر أمير مخول وهو صاحب تجربة ملموسة في معايشة بعض معتقلي (داعش) في السجون الإسرائيلية أن هؤلاء ” لا يعترفون بحركات التحرر الوطني ولا بفكرة التحرر الوطني، بل يريدون إنشاء الدولة والخلافة لتمتدّ عالميا”، ويعتبرون حركة التحرر الوطني الفلسطيني على تعدد فصائلها عقبة امام عقيدتهم ومشاريعها. ويؤكد مخول في منشور شخصي له بتاريخ 23 آذار /مارس، ومن خلال تجربته المباشرة في السجن أن السلطات الإسرائيلية تحابيهم وتتعامل معهم برفق، فإدارة السجون تصر على التعامل معهم كتنظيم وليس كأفراد كما أراد ممثلو الفصائل الفلسطينية، والنيابة العامة والقضاء يتساهلون معهم حيث أن المحاكم تحكم على أي فتى فلسطيني ألقى حجرا بضعف مدة السجن لشخص سافر تهريبا إلى سوريا ( التي هي دولة معادية وفق القانون) وتدرب هناك على السلاح وخاض معارك دامية .
أبرز الفوائد التي تجنيها إسرائيل من وجود ( داعش ) هي مساهمة الأخير في تفكيك وإضعاف واستنزاف العراق وسوريا بحسب دان شيفطان في مقال له على موقع واي نيت نقله تقرير مدار لعام 2017، فسوريا والعراق كانتا من ألدّ أعداء إسرائيل وما زالتا مصنفتين كدولتين عدوتين، وكلاهما خرجتا، في المدى المنظور على الأقل، من كونهما يشكّلان خطرا جديا على إسرائيل، كما أن وجود داعش يساهم في شيطنة النضال الوطني الفلسطيني ويدعم حُجّة إسرائيل بأن كل عمل مقاوم أو مسلح هو عمل إرهابي ناشيء عن أفكار متطرفة ومحكوم بكراهية الآخرين وبخاصة اليهود والغرب، ووجود تنظيم يضع كلا من الدول العربية المعتدلة في المنطقة مع إسرائيل في نفس دائرة استهدافاته يعزز الدعوة الإسرائيلية القديمة الجديدة لبناء نظام إقليمي جديد لمواجهة إيران والتطرف الإسلامي.
الفوائد المباشرة وغير المباشرة التي يقدمها التنظيم لإسرائيل، لا تعني تلقائيا الاطمئنان لهذا التنظيم ومحاولاته التمدد في كل مكان بما في ذلك في أوساط الفلسطينيين العرب في إسرائيل، فتجربة “العائدين من افغانستان” ما تزال حاضرة لدى جميع الدول والحكومات العربية والغربية التي تخشى من انقلاب الجهاديين عليها حتى لو سبق لها دعم هؤلاء وتنظيماتهم في مواجهة أعداء مشتركين، وكان الوزير والنائب الليكودي السابق عوزي لانداو حذرا من هذه الظاهرة فوجّه رسالة في 15/10/2014 دعا فيها رئيس الحكومة إلى سحب جنسية أي إسرائيلي يقاتل في صفوف داعش، وكان موشي يعلون وزير الأمن آنذاك قد وقع في أيلول / سبتمبر 2014 على أمر يعتبر فيه تنظيم داعش ” اتحادا غير مسموح به” وذلك لتمكين الأجهزة الأمنية من اتخاذ الإجراءات الضرورية إذا لزم الأمر، يعلون نفسه اعتبر في مناسبة أخرى أن كل من ينتمي لتنظيم داعش هو “إرهابي محتمل” في حال عودته.