سُنّة الابتلاء

د. أحمد الطباخ| مصر
خلق الله الإنسان في هذه الدنيا ليكون في ابتلاء واختبار فيها، فهي دار بلاء وليست دار معافاة، فليس فيها أحد الإ وهو واقع في فتن تحوطه من كل ناحية، فإن كان غنيا فهو مبتلي، وإن فقيرا فهو كذلك، وإن كان صحيحا فهو مبتلي، وإن كان سقيما، فهو كذلك لأن الابتلاء اختبار من الله للناس؛ لينكشفوا وليعلموا أن أعمالهم هي التي سببت لهم الثواب أو العقاب، ولولا ذلك لكان للناس علي الله حجة حين يعاقبهم لعلمه بعملهم ، ولكن الله حكم عدل .
إن الفتن اختبارات من الله للعباد؛ ليبين الصادقين والكاذبين، فيترتب علي ذلك حساب من الله للعباد ولذلك يقول الله تعالي:”أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)”
فقد أعلم الله الناس أنه لن يتركهم دون أن يتمكن الإيمان من قلوبهم، ويظهر دليل علي صدقهم ، وأنهم مبتليهم بظروف وأحوال تكشف عن هذا الإيمان أهو صدق أم كذب؟!؛ ولذلك نوع الله هذه الابتلاءات، فمنها ما يكون علي هيئة نعمة من صحة أو مال أو جاه أو أولاد، ومنها ما يكون علي هيئة نقمة كالمصائب التي قال الله عنها في قوله تعالي: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)“.
ولكل من هذين النوعين نجاح ورسوب؛ فإن كان نجاحا في النعمة فيحتاج إلي شكر لله ليس نطقا باللسان ، وإنما عمل بالقلب والجوارح ، بأن يشرك الناس في النعمة، فمن كان ذا مال جاد ببعض ماله علي من لا مال له، ومن كان ذا جاه جاد ببعضه علي من لا جاه له، ومن كان ذا صحة جاد ببعضها علي من لا صحة له، ومن كان ذا علم جاد بعلمه علي من لا عمل له، …..وهكذا في كل أمر من الأمور حتي يكون بين المجتمع ألفة ، وترابط وتكامل بين نسيج الأمة فيحدث التناغم والانسجام، فينتزع الحقد من القلوب، ويتلاشي الحسد بينها، اما النجاح فيكون في المصائب، ويتحقق بالصبر والاحتمال والفزع إلي الطاعة والتقرب إلى الله، وكثرة الاستغفار؛ فيكون المؤمن في خير عظيم ومدد كبير، ويعيش حياة القرب من مولاه، فيلزم باب الصبر والرضا بعطاء الله ، أما الاعتراض علي أمر الله، وعدم الرضا بما قدر فهو الجحود والرسوب.