عروض مسرحية مجانية
بقلم: عليّ جبّار عطيّة
أن يكون المرء زبوناً جيداً للعيادات الطبية الخاصة، أو قريباً منها فهذا يعني المزيد من الخسائر المادية والنفسية، وهو أمر مؤسفٌ حقاً فضلاً عن كونه متلفاً للأعصاب لكنَّه من ناحية أخرى فرصة جيدة لرؤية عروض مسرحية مجانية تقدم على مدى ساعات الانتظار الطويلة في ما تسمى بصالات الانتظار !
لم يراعِ الأطباء وكادرهم الإداري ــ إلا بحدود دنيا ــ ظروف المرضى ومَنْ بمعيتهم ولا ساعات انتظارهم الممل لكنهم تراخوا وسمحوا بعروض مسرحية مجانية لشخصيات ملفقة ربما تبديداً للسأم !
على مدى الساعات التي قضيتها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة في عيادات خاصة متفرقة من بغداد في الكاظمية والكرادة والمنصور أحصيتُ ما لا يقل عن خمسة عروض يومية متكررة أبطالها في مختلف الأعمار من سن السابعة وحتى سن السبعين وفي هيئات وأزياء وألوان متنوعة !
تأتي امرأة مسنة على عكاز بيدها تقرير طبي تتوسل تدبير مبلغ الفحوصات ثمَّ يعقبها رجل متقدم بالعمر يدعي انقطاع السبيل به، ثمَّ يمر طفل يدعي الجوع فتتبعه طفلة تطلب المساعدة ، ثمَّ يأتي شاب يتكلم اللهجة السورية ويطلب قوتاً لعائلته ، أما الشابة التي فتدعي الحاجة إلى أجرة السونار أو عملية كبرى !
تتعدد المظاهر والأشكال لكنَّ مضمون هذه العروض يكاد يكون واحداً وهو طلب مساعدة مالية تسعف صاحب أو صاحبة العرض !
وبتكرار هذه المشاهد يجد المرء مؤشرات على وجود شبكات تنظم تقاطر هذه الشخصيات في تلك الأماكن كما ينظم المخرج دخول وخروج الممثلين على خشبة المسرح !
ويلاحظ على هؤلاء المتسولين خلال السنوات العشر الأخيرة أنَّهم يجيدون النطق باللهجة السورية، وهذا يدل على شعبيتها في أوساط الشعب العراقي، أو تعاطف الناس مع السوريين في محنتهم مع أنَّ الشائع كان هو استساغة وقبول اللهجة المصرية خاصةً في ذروة الوجود المصري في العراق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وللضخ الهائل من الأعمال الدرامية المصرية على مدى أكثر من ستة عقود !
والمدهش حين بثت مسلسلات الفنان دريد لحام : حمام الهنا /١٩٦٨ و(صح النوم)/١٩٧٢، و(ملح وسكر)/١٩٧٣ وغيرها، ووقتها كنا نجد صعوبة في تقبل وفهم اللهجة السورية، وها نحنُ بعد هذه السنوات الحبالى اللواتي يلدن كل عجيب تكون اللهجة السورية هي الأقرب إلينا إلى درجة جعلت محترفي الكدية عندنا ينتحلون الشخصية السورية المنقطعة عن الأهل والوطن مما يفند المدعى المغرق في التشاؤم الذي يروج لانحسار دور المسرح عامة والمسرح الجماهيري خاصة ، وعدم وجود مواهب تمثيلية تبشر بعودة ميمونة للمسرح العراقي فأين المخرجون من تلك المواهب !؟