وسيلةُ عبور

عمر حمش | فلسطين

وسألني ماردٌ:
– قصيرٌ كشربة شهدٍ .. ثقيلٌ .. مديدٌ بلا منتهى؟
فأسرعتُ:
– العمرُ.
فقال: فزتَ، ولك أنْ تتمنى.
قلتُ: طِرْ بي.
فأحنى من جناحيهِ جناحا؛ وأصعدني؛ وحلّق؛ حتى صار سهما مُشعاً.
قلت: إلى أين؟
ورأيتُه مع كلّ خَفقةِ طَرفٍ؛ يحطُّ على أجراسِ مُدنٍ، شخصتُها – رغم جهلي – عواصمَ فرنجة.
وقام، وطاف، وقد كنتُ ذكرَ حَجَلٍ يتنقلُ بين جناحيه .. هو يطلِقُ صفيرا؛ ليحدثَ نَقلةً، وأنا أرى مدينةً، ما بين كلِّ لمحةِ طَرَفٍ، ولمحَة، حتى استقامَ فجأة، ثمّ هبطَ على مآذن أعرفُها، وصحتُ:
– القدس ..
ضحك من تحتي، وقال:
– تركتها لآخر تطوافنا، وأعلمُ توقك ..
قلتُ: منعوني عن بلاطِها، ومنذ عقودٍ لم أطأها.
وقلتُ: أنزلني.
فأنزلني، وهرولتُ تاركه، حتى عبرتُ بوابةَ بابِ العمود، فشممتُ سوقَها المعقود؛ من قبلِ أنْ أصله.
وفي هرولتي؛ حدّقتْ عيونٌ، ورمقتْ سحنتي، فتجاهلتُها، وانحنيتُ على طِشتِ بائعةِ فجلٍ، وقد خمنتُها أمّي، وصحتُ: أمِّي!
ولامستُ عينيها بعينيَّ، ثمَّ تقهقرتُ، وترنحتُ، وكنتُ أخزِّنُ ما أراه، ولمّا تتبعتْ العيونُ جرأتي، ولاحقتني أرجلٌ مهرولةً، وامتدتْ قصبةُ رشاشٍ؛ وجدتني ثانيةً طيرَ حَجلٍ، على ذاتِ الجناح، والماردُ يقولُ:
نسيتَ نفسَك؟
وعاد سهما انطفأ، وفي ليلٍ أكحل هوى إلى مخيم غزة، وحاول الانتصاب، لكنه كدابةٍ هزيلةٍ كبا، وأشاحَ، وهو يقول:
انزلْ ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى