مع “ذلك الغريب” لمريم هرموش.. تقرأ وكأنك ترى!!

بقلم الكاتب: مجدي بكري | القاهرة

يقسم الناقد الفرنسي جان بريون  شخصيات الراوي إلى ثلاث شخصيات أساسية، وهم الراوي الغائب، والراوي المتعدد، والراوي المشارك، كما أن هناك راوي خارجي وراوي داخلي،
وقد اختارت الكاتبة مريم هرموش في روايتها آلرائعة “ذلك الغريب” ان تنتهج طريقة الراوي المتعدد.


ويحتاج هذا النوع من السرد إلى حبكة مميزة، وقدرة ومهارة كبيرة من الكاتب، حيث إن الراوي المتعدد إن لم يتم حبكة نص الرواية يشتت القراء ويقلل من قيمة العمل، لأن الراوي المتعدد هو النوع الشامل من الرواة، حيث يقص العمل ويسرد من أبطال العمل، الكل يقص من زاويته، ويشبه العمل في هذا النوع إلى الأحجار التي توضع فوق بعضها البعض فتكون البناية كاملة.
وذلك علي عكس طريقة الراوي المشارك.. ففي ذلك النوع من أنواع الرواة يقوم الراوي بدورين، دور الشخصية المشاركة في العمل الروائي، ودور الراوي نفسه، كما أن هذا النوع من الأنماط أكثر اتباعًا في حالة أدب الاعتراف .

وبمناسبة الاعتراف فإنني اعترف انني عندما بدأت قراءة تلك الرواية ” تصورت انني سأنتهي منها في يوم او يومين مثلما اعتدت مع كثير من الكتب او المجموعات القصصية.. لكن مر اكثر من شهرين وانا اقرأ في هذه الرواية” الغريبة”!!
لقد ادهشتني “هرموش” بتمكنها من الإمساك بخيوط الرواية رغم تعدد الشخصيات بها.. لكنها استطاعت بحرفية ان ترسم شخصياتها حتي تجعل القارئ يظن انها شخصيات حقيقية من لحم ودم.. وقد ربطت أحداث آلرواية بما عاناه العالم خلال السنوات القليلة الماضية من تفشي وباء كورونا في كافة بلدان العالم.. كما أنها أثارت في روايتها عدة قضايا اخري شغلت العالم مثل قضية اللاجئين السوريين وقضية العناية بالمسنين وتخلي عدد كبير من الأسر في دول مختلفة عن كبار السن وايداعهم دور الرعاية خوفا علي أبنائهم  من العدوي.


كما أثارت الكاتبة قضية مهمة اخري تعتبر من بين الأحداث الرئيسية فيها وكان لها دور كبير في تغيير مجري الأحداث وهي قضية التحرش الجنسي بألمرأة واستغلال حاجتها للعمل بالتعدي عليها جسديا وتصويرها للضغط عليها وابتزازها بشكل أكبر.
وبشكل عام فإن غالبية شخصيات الرواية هم شخصيات سوية ويغلب عليهم الجانب الإنساني ما عدا شخصية “مدحت” زوج بطلة الرواية ” اريج” الذي جمع في شخصيته كل مساوئ النفس البشرية.. فهو شخص فظ واستغلالي وانتهازي وخائن للثقة والأمانة التي اولاها له والد “اريج” ثم انه خائن لأريج نفسها ومستغل جنسيا للراغبات في العمل بالشركة بالاضافة الى سوء معاملته لإبنه وابنته وانفصاله عاطفيا عنهما وقسوته الشديدة علي “كلب” الأسرة الذي كانت ترعاه “أريج”.

ولكن حتي هذه الشخصية السيئة الوحيدة في الرواية لم تشأ الكاتبة ان نراها من جانب واحد لكنها كشفت من خلال الاحداث خلفيات ومبررات تلك الطبيعة القاسية والشاذة في آن واحد حيث أظهرت قسوة والده عليه في صغره وسخريته منه أمام اقرانه من نحافة جسده وصغر عضوه الذكري مما رسخ عقدة بداخله ظلت معه حتى الكبر محاولا ولو كذبا وعنوة إثبات فحولته وقدرته علي جذب النساء والإعتداء عليهن.
لو لم تكن مريم هرموش كاتبة فأعتقد انها كانت ستعمل فنانة تشكيلية فقد استطاعت ان تصف ببراعة لوحات “اريج” و”الغريب” الذي لم نعرف اسمه حتي انتهت الرواية.. كما أنها استطاعت ان ترسم شخصيات الرواية بحنكة وحرفية وكانها ترسم لوحة متكاملة بالوان هادئة احيانا وصاخبة في احيان اخري.
تقول “هرموش” علي لسان البطلة “وحدها ريشة الايام تشكلنا كيفما شاءت.. تنقش في ارواحنا ظلالا من الألم.. تبوح به ملامحنا المنهكة.. تحول صدى ضحكتنا الذي كان بهز القلب، ويسيل الدمع من فرط غبطتنا، الي بسمة رصينة متكلفة ترسمها الشفاه مرغمة.
وغير ذلك الكثير من العبارات البليغة والمدهشة التي دفعتني الي ان اضع تحتها خطوط لاتذكرها وأعود الي قراءتها مرة اخري بعد انتهائي من قراءة الرواية.
واخيرا فإن هناك عبارة اخري في الرواية لفتت نظري لعلها تصف بطلة الرواية وكاتبتها في نفس الوقت تقول” أن المرأة التي تمنحها السماء جمال النفس مشفوعا بجمال الجسد، هي حقيقة ظاهرة غامضة، نفهمها بالمحبة ونلمسها بالطهر، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى