ماذا سأقول لك لو كنتُ هناك؟

خالد جمعة | فلسطين

(إلى الولد الملقى وحده على حافة وطن ملقى وحده على حافة ولد والذي كان اسمه مصادفةً: أحمد مناصرة)
ماذا سأقول لك لو كنتُ هناك؟
تصرخُ، بساقين مطويتين تحتك، والدم ينزف من مكان لا أعرفه، وأحس بالرعب يتسلل إلى كيانك الطري، وهم يهمون بالهجوم عليك، لا بالكلمات فقط، بل بتاريخ تلمودي معبأ كآلة حرب منذ مليون سنة، في جيب كل واحد توراة، وفي عين كل واحد بندقية، وفي يد كل واحدٍ قلبه الخائف من طفل في الثانية عشرة، ملقى على الرصيف، هل كنت صيداً سهلاً؟ حتى في الغابات تتراجع الحيوانات الصيّادةُ أحياناً عن صغير مع أمه حتى حين تكون جائعة، تشم الحليب عن الشفة الوليدة فتتراجع، ربما تسمو بنفسها عن افتراس رضيعٍ لا يمكنه الدفاع عن نفسه حتى بالهروب، لكنهم جميعاً كانوا هناك، وسواهم تمنى أن يكون هناك، فأرسل فكرته بدلاً منه.

ماذا كنتُ سأقول لك لو كنتُ هناك؟
لو كنتُ شبحاً مطوياً في خزانة الهواء، واستطعتُ أن أصل إلى قلبك الذي يدق بسرعة جناحي نحلة، متأكد أنني لم أكن سأقول لك إنك بطل وعليك أن تواجههم بضعفك ونزيفك وبكائك الذي لم يسمعه أحد، كنتَ وحيداً كما كنا جميعاً وحيدين ونحن ننظر إليك، أفواهنا مفتوحة، وقلوبنا معلقة في الخطوة القادمة، ننظر مرةً إلى لون ملابسك، ونتمنى أن تفرد ساقيك لتشعر بتعبٍ أقل، كنت سأهمس لك بشيء يطمئنك قليلاً، لكن ما الذي يمكن أن يطمئن طفلاً خائفاً ملقى على ظهره يحيط به مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين وفوق ذلك ينزف دماً من مكان مجهول؟

ماذا كنت سأقول لك لو كنتُ هناك؟
هل كنتُ سأقولُ قلبي معك؟ هذا ليس صحيحاً فقلبي معي أنا، هل كنت سأحكي لك قصة كتلك القصص التي ينتصر فيها الخير على الشر في النهاية؟ هل كنت ستصدق وقتها أن الشاطر حسن ما زال في مقدوره أن يهزم الغول، والغول صار غيلاناً تطوّق مساحة الهواء من حولك؟ ماذا تراني كنت سأقول وأنا أعقد على حبل سرّتك عجزي المستمر حتى عن القول، قول أي شيء يمكن أن يصفّي الهواء من حولكَ ويجعلك أقل رعباً مما أنت فيه.

ماذا كنت سأقول لك لو كنتُ هناك؟
أأقول لك إننا مكسورون أمامك؟ أننا لم نستطع أن نعلمك الفرق بين الحياة والموت؟ أم أقول إننا لم نغرس فيك فكرةَ الوطن على حقيقتها والتي تعني الحياة مع الشعور بالأمان، في حضن أمك أو في حضن شجرةٍ تشبهها؟

ماذا سأقول لك لو كنتُ هناك؟
هل ألقي لك بدفترٍ وقلم لتكتب عن أحلامكَ بعد سنوات قليلة؟ عن فتاةٍ ستقابلها مصادفةً في الشارع، وترفع عنها ظلم أحد المارةِ، وستحبُّك قليلاً ثم كثيراً بعد ذلك، وترى جرحك في لحظة دفءٍ فتسألك عنه، وتكون وقتها قد ظننت أنك نسيت، فتروي لها وتبدأ في استعادة الرعب من فم الذاكرة، فترتجف وأنت تستعيد الكلمات على جسدك مثل كرباجٍ من جلد ذيل ثور، لن تعرف إن كانت ستفهم وجعك الطفولي، وإن كانت ستقول لك كلمات مواساة أم ستتهمك بالجبن لأنها ترى أن الرجال لا يبكون؟

ماذا سأقول لك لو كنتُ هناك؟
ما كنت سأقول لك شيئاً، وعلى أية حال، أنا لم أكن هناك، ومطلقاً لم يكن أحد هناك…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى