الحب الإلهي الكامل
د. محمد السيد السّكي| استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي
med.nile4@gmail.com
رحيق حب الله الخالص المتجرد من إغراء عطاء الدنيا والتنعم بالجنان ، والمتحرر من كل خوف من حياة البؤس في الدنيا والتلظي في النيران ، لهو الحب الاعظم الذي يتحقق في الانسان المتفرد الكامل.. ولكي يتحقق ذلك فلابد في البداية من توهج نفس العصيان ومعاقبتها بالبؤس في الدنيا جذباً لها من الانحدار ، وتحقيقاً للحب المتجرد من الخوف من النيران.. حتى يأتي الأوان فتستقيم وتتحرر الروح فياخذ هذا الإنسان بعدل الله في الدنيا أعظم عطاء..
أن صفات الله سبحانه هي صفات مطلقة بلا استقلال و متداخلة فيما بينها بلا تعطيل او طغيان..
ان الله اللطيف المتعال المحب قد شاء ان يهفو اليه خلقه بقلوبهم ، لا ان يخضعوا له و لأمره بقوالبهم، فهو ان شاء لخضع له كل رقيق ومتجبر وكل لين ومتحجر ، لكنه يريد الورود الى رحاب عظيم ذاته من باب الحب والطاعة لا من باب الجبر والمغنم.. وسبحانه يشتاق الى احبته مع تنزه جلاله عن حاجته لهم . وعلى الدوام لا تنقطع صلته بخلقه وأوليائه وصفوته ، فان انقطعوا عن التمتع بانوار معيته وكرمه، هتك الحجاب وهدم السماوات وكتب على الموجودات الفناء… واذ انه المتعال عن الحاجة لخلقه ولمحبته المتجذرة في جلاله، فقد جعل هناك سبيلاً اخر قائماً على العقوبة والجزاء ضماناً لاحداث العدالة بين النفوس وارضاءاً لجلاله ومجده وعدم حاجته للخلق…
ان الذين يعبدون الله طمعاً في جنانه او خوفاً من نيرانه دون خفقان الجنان لذاته لهم غافلون عموا عن ادراك الغاية من خلقهم كصبية خافوا من معاقبتهم ولهثوا الا ما تأجل لهم من متعتهم..
واذا ان كل نفخ من الله يقتضي طلوع بدر النفس وما يصاحبها من خفقان قلب و نزعات شهوة و أنفاس وهالة من الطاقة، فان الانسان أكرمه الله بنفخة مباركة مميزة عن جميع خلقه، فاعطاه الروح المقومة لاعوجاج النفس ، والتي يدرك بها ذات الله وصفاته واسمائه بتفرد عن جميع الخلق . فسبحانه علم آدم الاسماء كلها..
ولما كان طريق الاولياء الى الله للقرب منه يأتي كفاحاً ،وتدرجهم بالقرب تدرجاً بقدر معلوم صباحاً ومساءا. ومازالوا فى مسلكهم حتى تخلو اجسادهم من نزعات انفسهم ولا يزهر فيهم الا وهج ارواحهم..
الا ان الله اصطفى بعض خلقه وجعل طريقهم اليه ليس كفاحاً بل يأتى سفاحاً وبالفضل منه بالاصلاح لا صلاحا .. فيجمع فيهم زيغ النفس فى اوجه وفيض الروح في قمته ،فهؤلاء هم المصطفون وهم سادة الاولياء منةً لا سعيا.