تأملات في قصيدة (إلى ظلِّكَ الجنوبي/إلى أخمصِ قدميك) للشاعرة لودي شمس الدين

حميد عقبي | اليمن – فرنسا

استكشفت أصوات شعرية شابة خلال العديد من الجلسات الشعرية في المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، فبعض هذه الفعاليات كانت  بالتعاون مع موقع وصفحة بيت النص ومجموعة نصوص من خارج اللغة والمنتدى الثقافي الليبي، وبعضها كانت بالتنسيق مع بعض الأصدقاء، ستجدون كل تسجيلات هذه الفعاليات على قناة يوتيوب الخاصة بالمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، مع قرب نهاية موسمنا الثقافي والفني قريبا مع ختام الفعالية الأخيرة وهي ملتقى القصة القصيرة العربية في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح والذي يستمر من 6 إلي 11 أبريل، ب11 ورشة وحضور أكثر من 60 قاصا وقاصة ونقاد وشعراء وفنانيين، وخلال فترة رمضان قررت التفرغ أكثر للكتابة عن ما أنجزناه أي أكثر من مئة ندوة ولقاء وأمسيات وهنا نفتتح بشاعرة شابة وتجربة أنيقة، تتطور وتتدفق بالجمال الشعري، لنتأمل في قصيدة إلى ظلِّكَ الجنوبي/إلى أخمصِ قدميك…للشاعرة اللبنانية لودي شمس الدين، لأني أخاف من كلمة نقد لذلك فضلت أن تكون مداخلة تأملية.
من عنوان القصيدة قصيدة “إلى ظلِّكَ الجنوبي/إلى أخمصِ قدميك”، قد يتبادر بالذهن أننا سنبحر في مصارحات أنثى جامحة، تتدفق أنوثة ورغبة لحبيب يتمانع عليها، ثم نستكشف اسم الربيع بصفاته وطقوسه ومظاهره ولكن هل يمنع هذا أن تكون القصيدة موجهه لغيره؟
تمتلك لودي شمس الدين قاموسا ثريا من الكلمات والعبارات تتصف بمراوغة المعنى ومراقصته بشكل يجعلنا نشعر أنها تفصح وتخفي، تصرح وتنفي، تخلق صورا ذات مشهدية ديناميكية .
(طبول الربيع تُقرَع في نيسان”إله السعادة”… شاعري الهوى والعينان نجمتان في محار الزمان… في شفتيهِ رسالة الله وخرزات سُبحته من ماء النيل والفُرات… بحة الناي في صوتِه واللام لام الحُلم الأزرق في أنفاسه)
كأنها هي من يستمع، تحاول أن تنقل لنا صورا ترسمها ببهجة وعفوية بعيدا عن الصناعة المتكلفة، تمسك لودي بفرشاة لودي ولا تستعير من أحد، هذه ميزة لاحظتها في أغلب ما تنشره على صفحتها الفايسبوكية وهي كذلك نشطة في المشاركات الشعرية الإفتراضية عبر بعض منصات زووم، فهي ليست مجرد شاعرة فايسبوكية وقد صدر لها ديوانها الأول رغم صغر سنها، لكنها من بيئة وعائلة أدبية مما يعني أنها تعيش مناخات مفعمة بالإبداع، كثيرا ما نجد إستحضارات ميثولوجية، فهنا  (نيسان”إله السعادة”)، (في شفتيهِ رسالة الله) ونجد تكرار فعل الصلاة وذكر يوم الدين.
(والميم ميم المُتيَّمة بضحكاته الحمراء كالجمر في دمي… ينحني قلبي على عُشب جرحي خاشعاً لك ليوم الدين… تُصلي الريح الرملية لك والأنجم البحرية تُصلي لك… حتى المرافئ المتكسرة والمنسية في ذاكرة اللقاء تُصلي لك… وزن الكون لا يُعادل وزن وجودكَ تحت جلدي في ميزان الدنيا.)
لمن كل هذه الصلوات؟ (لك)، كلما أوغلنا في القصيدة، نشعر أننا  في ورطة جمالية، فالصور محبوكة لا تنساب في نسق اخباري ومشاهدة عابرة لما حول الشاعرة وهي ليست وصفا للطبيعة ولا مجرد حفاوة بالربيع، تُخفي لودي شيئا عميقا، ترسم هذا الحبيب أو العشيق لأمرأة جميلة وفاتنة لذا فلن تقبل بمجرد رجل مخلوق من ماء وطين، وضعت فيه صفات قد لا تتوفر في بشر، وقد يختلف التلقي والفهم وهنا نقطة إيجابية جيدة فقصيدة النثر إن لم  تحمل لنا الأسئلة وتعدد المعاني والتلاعب بالرمز والإغتراف من الميتافور فهي ليست قصيدة نثر.
تتوفر العديد من الأساليب فيما تكتبه لودي شمس الدين وهي تطور من نفسها مع كل نص جديد مما يبشر بميلاد شاعرة شابة وجميلة كما قال الناقد اللبناني يوسف طراد في جلسة شعرية للمنتدى بعنوان مبدعات من لبنان وأضع لكم في ذيل المادة الرابط للتعرف أكثر عن عالم لودي الذي يزداد تعقيدا ربما وكأنها لا تقبل بالسهل المباشر وهذا ما يجب أن يحرص عليه أي مبدع.
تعجبني أيضا في بعض الأبيات تعرفياتها لمصطلحات معقدة مثلا فالحُبّ  شعلة نار وسط العواصف وتحت الماء.. كما أنها لا تنسى أنها أنثى وشعورها بجسدها بكل ما فيه من رغبة عنيفة مشتعلة
(أنتَ لي بجحيمك،بقسوتك وصمتك… اسقني ماء عينيك… وفكِّك بندى رياقك عقدة السنابل من حول خصري الياسميني…)
تفصح عن شوقها ولهفتها وتعتز بخصري الياسميني، ترسم أيضا صفات خاصة كأنها لقطة كبيرة على وجهه فتولَد حبات من الكريستال فوق شاماتك الشرقية.
هنالك أيضا قصائد قرأتها  للشاعرة اللبنانية لودي شمس الدين وسمعتها بصوتها وأجدني أتفق مع الصديق الناقد اللبناني يوسف طراد أننا نشهد ميلاد شاعرة جميلة ومن المهم أن نوصيها بالاستمرار في هذه المسارات الجميلة وننتظر ديوانها الثاني قريبا).

(إلى ظلِّكَ الجنوبي/إلى أخمصِ قدميك)
شعر: لودي شمس الدين
طبول الربيع تُقرَع في نيسان”إله السعادة”…
شاعري الهوى والعينان نجمتان في محار الزمان…
في شفتيهِ رسالة الله وخرزات سُبحته من ماء النيل والفُرات…
بحة الناي في صوتِه واللام لام الحُلم الأزرق في أنفاسه…
والميم ميم المُتيَّمة بضحكاته الحمراء كالجمر في دمي…
ينحني قلبي على عُشب جرحي خاشعاً لك ليوم الدين…
تُصلي الريح الرملية لك والأنجم البحرية تُصلي لك…
حتى المرافئ المتكسرة والمنسية في ذاكرة اللقاء تُصلي لك…
وزن الكون لا يُعادل وزن وجودكَ تحت جلدي في ميزان الدنيا…
في أخمص قدميكَ أرياف معتمة أضيئها بقُبَلي…
أموت كفراشة مُنهكة في محيط ذُلّك…
ولا أترُك عطركَ لصخر المسافات ونساء التُفاح…
أنتَ لي بجحيمك،بقسوتك وصمتك…
اسقني ماء عينيك…
وفكِّك بندى رياقك عقدة السنابل من حول خصري الياسميني…
أزيح الغيم بالطين وأرقِّع الفجوات بحطب عظامي كي تعود لي…
أحبُّكَ دهراً والدهر لحظة مرتجفة أمام حبك…
ليتَ لحمي المُضنى جسر وصال يصلني إلى ظلّك الجنوبي…
إن كنت حبّاً لن يغتصِب الزمن الشمس…
ولن يكون للتاريخ أنياب برية…
فالحُبّ  شعلة نار وسط العواصف وتحت الماء…
تحتكّ تنهدات السنونو بأشجار الصنوبر والزعتر…
فتولَد حبات من الكريستال فوق شاماتك الشرقية…
أقرَع طبول الربيع بأعصابي،نيسان إله السعادة…
أغنيتي للعرَب “اسمك”…
وأغنيتي للموت “اسمك”…
إن كنت حباً سيوصي الله الغيب الشقي أن يهبني إياك…
أحبُّكَ دهراً والدهر لحظة مرتجفة أمام حبك.

ΠΠΠΠΠΠΠΠΠΠ
رابط لمشاركة لودي مع عدة مبدعات لبنانيات برحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح
https://youtu.be/ItuT4IBxwFw

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى