الجالية الإفريقية في القدس.. الدور الوظيفي
د. حنا عيسى | رام الله – فلسطين
“الجالية الأفريقية اندمجت منذ قديم الزمان مع المجتمع المقدسي متجاوزة فروقات اللون والأصل، ويعود أصلها لأربع دول كانت قد جاءت منها، تشاد والنيجر والسنغال والسودان، هم كغيرهم ممن استقر في مدينة القدس وضحى لأجلها بمسقط رأسه”.
وجودهم:
يعود وجود الأفارقة في فلسطين إلى زمن الفتوحات الإسلامية، وتحديدا عندما دخل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس يرافقه عدد منهم، أما الجالية الإفريقية المتواجدة حاليا في مدينة القدس والتي تعود جذورها إلى دول تشاد، نيجيريا، السودان، والسنغال، فأبناؤها قدموا في أواخر القرن التاسع عشر، وهم ينحدرون بنسبهم من ثماني قبائل هي: السلامات، البرنو، التكروري، الفيراوي، الحوس، البرجو، والكلمبو، والفلاته.
وتكاد أسباب مجيئهم إلى المدينة المقدسة تنحصر في سببين جوهريين هما:
الأول ديني:
حيث جاءوا لقضاء ما يوصف بالحجة المقدسية، قادمين من مكة المكرمة بعد أداء مناسك الحج هناك، وهم بهذه الحالة يكونون قد حجوا إلى المواقع الثلاث الأساسية التي تشد إليها الرحال حسب الشريعة الإسلامية، ألا وهي، المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس الشريف.
والثاني جهادي:
حيث قدموا للدفاع عن المقدسات الإسلامية ضد الانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخذوا على عاتقهم حراسة وحماية الحرم القدسي، وتقديم الخدمات للمصلين. وقد شارك الكثيرون من أبناء الجالية الإفريقية في المعارك التي خاضها الفلسطينيون ضد الحركة الصهيونية وكان أبرزها معركة جبل المكبر التي قادها محمد طارق الإفريقي، واستطاع ومن معه من القوات الفلسطينية والأردنية إنقاذ جبل المكبر ومحيطه من الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م.
ويعتبر أبناء الجالية الإفريقية في فلسطين فلسطينيون من أصول إفريقية، رافق أسلاف بعضهم إبراهيم باشا في حملته الشهيرة على فلسطين في عهد محمد علي باشا الكبير الذي كان واليا على مصر في أواخر سنوات الإمبراطورية العثمانية.
مقر الجالية:
تستقر الجالية الإفريقية في اثنين من المواقع التاريخية في البلدة القديمة تعود إلى الفترة المملوكية. المكان الاول هو أول رباط يشيد في القدس، ألا وهو رباط علاء الدين البصير، ناظر الحرمين الشريفين، على الجهة اليمنى من الخارج من المسجد الأقصى، والرباط المنصوري المقابل له والذين لا يبعدان سوى عدة أمتار عن مدخل الأقصى. وعلى مدخل الرباط مسطبتان حجريتان على الجهتين الشرقية والغربية، يليهما بوابة في أعلاها نقش يبين باني الرباط وتاريخ بنائه، ومن ثم ندخل إلى دركاة، وهي عبارة عن ممر ضيق، حيث يوجد على يمين الداخل غرفة مخصصة للحرس، ومن ثم بوابة أخرى تطل على ساحة سماوية. أحيل هذان الرباطان إلى سجنين في الفترة العثمانية، حيث خصص الرباط المنصوري للمحكوم عليهم بالسجن لمدد مختلفة، أمّا رباط علاء الدين فقد خصص للمحكوم عليهم بالإعدام، ومن هنا جاءت تسميتهم بحبس الرباط، وحبس الدم على التوالي. ويعد الرباطان من أملاك الأوقاف الإسلامية.
والسبب في استقرار الأفارقة في هذا المكان، هو أن معظمهم في ذلك الوقت كانوا من سدنة المسجد الأقصى، يقومون بحراسته والاعتناء بنظافته وخدمة زواره، وكانوا في ذلك الوقت منتشرين في عدة مواقع، وطالبوا بأن يتجمعوا في مكان واحد حتى يسهل عليهم خدمة الأقصى بشكل أفضل. وبالفعل استطاعوا الاستقرار في هذين المكانين بمساعدة الحاج أمين الحسيني. يعود وجودهم في هذين المكانين حسب اعتقادي إلى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، أو بداية العقد الثالث. أستند في ذلك على اساس أنه تم إنشاء المتحف الإسلامي، وهو أول متحف في فلسطين، في سنة 1921 أو 1922، ثم انتقل هذا المتحف في عام 1929 إلى داخل المسجد الأقصى بالقرب من باب المغاربة. ويبلغ تعداد الجالية الإفريقية في القدس حوالي ثلاثة مائة شخص. الموجودون اليوم هم من أبناء الجيل الثاني والثالث بنسبة 52% إناث و48% ذكور، والجالية مجتمع فتي إذ تقل أعمار الغالبية الساحقة منها عن العشرين عاما.
الوضع الاجتماعي للجالية:
تتميز الجالية الإفريقية في مدينة القدس بروابط اجتماعية متماسكة وقوية فيما بينها، إذ يعتبرون أنفسهم عائلة واحدة، ويظهر ذلك جلياً في المشاركة الجماعية الكاملة من قبل أبناء الجالية في أفراح وأتراح بعضهم البعض.
وكان من عاداتهم تناول وجبة الغداء كل يوم جمعة معاً بعد صلاة الظهر في الرباط المنصوري، حيث كان الجميع يشارك بتكاليف الطعام، كل حسب إمكانياته، وبعد تناول الغداء يلتفون جميعا حول أحد الآباء، ويتسامرون ويخوضون في الحديث عن الشؤون والأوضاع الاجتماعية والسياسية العامة بالعرض والتحليل.
وإذا نظرنا إلى زاوية أخرى وهي العلاقة بين الجنسين، فقد كانت قائمة على المساواة وعدم التمييز، بل إن الفتاة تحظى باحترام ومعاملة حسنة تضاهي أحياناً معاملة الشاب.
وتعتبر الجالية الإفريقية نفسها جزءا أصيلا من الشعب الفلسطيني بعاداته وتقاليده المستمدة من روح العقيدة الإسلامية، لذلك اندمجوا بشكل كامل في المجتمع الفلسطيني ولم ينغلقوا اثنيا على ذاتهم، بل ارتبطوا بعلاقات وطيدة مع من حولهم وصاروا مكونا عضويا في نسيج المجتمع الفلسطيني، من حيث الواقع والتاريخ واللغة والدين.
جمعية الجالية الإفريقية – المقدسية:
تأسست من قبل الأفارقة الفلسطينيين في القدس في عام 1983، وهي امتداد للنادي السوداني الذي كان فاعلا بين العام 1935 و1967 وهو العام الذي تعرضت له مدينه القدس للاحتلال الإسرائيلي. وتعتبر الجمعية ايضاً إحياء لدور نادي الشباب الافريقي، الذي أنشئ في عام 1978 لكنه اضطر إلى إغلاق أبوابه في منتصف الثمانينات بسبب صعوبات مالية.