تلويحةُ حبٍّ لشاعر في أرض الأرجوان البعيدة

علي الدميني| شاعر وكاتب سعودي

قرأت ثلاثة دواوين للشاعر الفلسطيني نمر سعدي وصلتني على الفيس بوك، وأريد أن أشير فقط إلى قصيدة طويلة بعنوان “أنتِ حديقةٌ من الغيوم وأصابعي جمرٌ لا ينطفئُ” شغلت نصف ديوانهِ الأخير “وصايا العاشق” في ملحمة النهر الطويلة هذه، تسيل شعرية نمر سعدي لغةً وثقافة وإيقاعاً موسيقيا عذبا، كأطروحة مرافعة وجودية شاملة، ينهض المنادى فيها، مكتنزا بحالات شديدة التوهج. ويتجلى ذلك عبر صوره الشعرية الخاصة وإحالاته الترميزية، ليرسم بريشة فنان تشكيلي بارع تبديات مختلفة يتقاطع فيها الحلول الصوفي والرغبات الحسية الجسدية، ومثالات الأحلام المجهضة والأماني التي ما تفتأ تقوم من كبواتها، في كيان امرأة معشوقة تجمّعت في أمثولته، كجمال مطلق كل عاشقات التاريخ، اللواتي شمخن بحضورهن واللواتي انكسرن عن التحقق كحلم عصيّ على الانقياد إلى فضاء التماس واللذة والمعاشرة، وتتبدى تشكلاته من تداخل تفاصيل الحياة الواقعية التي تمتزج بهلامية زبد المعنى، وتنكسر بغصَّة اللحظة الكونية المعاشة.

تدفُّق شعري لا يكفُّ عن الجريان حتى ثمالة الحالة المشتبكة بالذات المتعددة الوجود والحضور والفاعلية، ومغموسة بقسوة الوجل والحنين والحب والحرمان حيث “تكسر الخمرة الحمراء جسم مرآة الزمان اللولبية ” بحسب القصيدة!!

ولعلَّ في هذا النص و سواهُ من قصائد الديوان بعض لمحات مما يمكن أن نراها متداخلة – كما في صور المرايا المتعاقبة – مع اشتغالاته السابقة في دواوين شعرهِ وقصائدهِ المنشورة في الوسائط الاعلامية المختلفة، لكن هذا الديوان هو خلاصتها، وكرستالها المصفَّى، الذي يعيرهُ الشاعر الفنان حياةً جديدة، وفق طرائق أكثر جمالية وعذوبة ومغايرة !!

وهنا جزء من ذلك النص الرائع:

أيُّ فراشةٍ حجريَّةٍ حطَّت على عينيَّ

فانشقَّ النهارُ كزهرةٍ بريَّةٍ بيضاءَ

تحرسُ نومَ أنكيدو من الدمعِ المنافقِ

في مرايا نسوةٍ كسَّرنَ في دمهِ وصايا الملحِ

كُنَّ على طريقِ الغيمِ والريحِ العقيمِ معاً؟

وكنتِ دليلتي الأولى

وكانَ يدورُ حولَ ظلامهِ أو بئرهِ شمشونُ

يصرخُ صامتاً في الليلِ صرخةَ من يموتُ

تقصَّفتْ كفَّاهُ وهو يدُقُّ صخرَ البرزخِ العاليِ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى