هلْ أتاكَ إذ أتاكَ حديثُ رمضان؟

عبد يونس لافي

(هذي نصيحتي، ولا ريبَ أنكم للنصحِ سمّاعون)

أحِبَّتي، لا تَنْسَوُا الصَّفاءَ الذي غُمِرتُم بهِ في رمضانْ، واذْكُروا أيّامَهُ ولياليهِ الحِسانْ.

نصيحتي – وأنا للنَّصيحةِ أحوجْ – أنْ تسْتمِرّوا ولو على القليلِ مِمّا كنتم تعملون، فما قلَّ واسْتمرَّ، خيرٌ مِمّا كَثُرَ فانْقَطَعْ.

لا تَهْدِموا ما بَنَيْتُم، بل ثَبِّتوهُ ما اسْتَطَعْتُم، واعْلموا أنَّ البناءَ صعبٌ، لكنَّ الهدمَ أسهلْ. فلا تكونوا كمعتوهةِ مكَّةَ، تَجِدُّ مع جَواريها، تَبْرُمُ غَزْلَها وتُحْكِمُهُ، فاِذا ما أدْركتْ مُنْتَصَفَ النهارِ، نَقَضَتْهُ ـ من بعدِ قوةٍ ومتانةٍ ـلتُحيلَهُ نَفَشا.

كانت هذه المَعتوهةُ، واسْمها رَيْطَةُ بنتُ عمرو، خَبْلاءَ خَرْقاءَ حَمْقاءَ بامْتياز، هكذا لَعَمْري نَعَتَها الناعِتونَ، لِما اعْتورَ عقلَها من لَوَثٍ، فصارت مثلًا نزلَ فيه قراۤن، (ولا تكونوا كالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها من بعدِ قوةٍ أنْكاثا).عاهدْتُم اللهَ، فلا تَنْقُضوا الْعهْدَ؛ يوفقْكم، ويثبِّتْ أقدامَكم.

أحِبَّتي اذا كانت ليلةُ القدرِ قد غادَرَتْنا، أدركْناها أم لم نُدْرِكْها، فلنتوقَّفْ قليلًا لِنَجِدَ: أنَّ أعظمَ ما أُنزل فيها، لم يغادرْنا ولم نغادرْهُ، فلنُعِدْ قراءتَه بِتَمَعُّن، ولنتدبَّرْهُ ونُسْبِرْ غَورَه، كي نكتشفَ أنفسنا أوَّلًا، ونكونَ أمةً قُدِّرَ لها أن تقود لا ان تُقاد، وتبحثَ وتفكرَ، لا أن تعيشَ على بحوثِ وأفكارِ الآخرين. أمةً لا تنتظرُ ان يُؤتى إليها باللُّقمةِ جاهزةً لِتأكلَها، فلربَّما غصَّتْ بها فآذَتْها، لأنها أُعدَّتْ لبطونٍ غيرِ بطونِها، وأذواقٍ غيرِ اذواقِها.

نحنُ، بني البشرِ، مَنْ رَضِيَ حَمْلَ الأمانةَ، حين عُرِضَتْ على السَّموات والأرضِ والجبال،” فأبَيْنَ ان يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ منها”! أما وقد قبِلْنا العَرْضَ، فعلينا ان نتحمَّلَ تَبِعاتِهِ، بالْعملِ الرَّصين، لا بالِاتِّكالِ المُشينِ، والِانْتظار المُهين.

أخيرًا لِيَهْنِكُمُ اللهُ بالعيدِ، والعيدُ عَوْدٌ، ولا شكَّ أنَّ العَوْدَ أحمد،.طالما حَمِدْنا من حَقَّ لهُ الحمدُ، حَصْرًا وقَصْرا، فقلنا الْحمدُ للهِ،.ثمَّ صاحَبَ قوْلَنا فِعْلٌ، يعودُ علينا وعلى غيرِنا – أيًّا كان ذلك الغيرُ – بالخيرِ، ويا سعدَ من كان منا غيثًا للأخرين وغوثا.

جُزيتُم خيرا، وبورِكْتُم عملا، وأُصْلِحْتُم بالا، وكُفيتُم أمرا، ووقيتُم شَرّا.

تلكُم هي نصيحتي، ولولا صادقُ مَحَبَّتي، ما تجرَّأْتُ أن أكونَ لكم من الناصِحين، فما أنا إلّا ناصحٌ نفسي أوَّلا، وما أحْوَجَنا في أن نُذكِّرَ بعضَنا بعضا، لنُزيلَ من قلوبِنا ما غلفها – او ربما تمكَّن منها – من رانٍ، لكي نُحَقِّقَ ذاتَنا جَمْعًا، ونكونَ أقوياءَ كُلّا، فلا ينفرِطُ لنا عِقدٌ، ولا يَنْفَذُ إلينا هوانٌ، سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى