صدفة

محمد حسين | قاص فلسطيني – دمشق
جمال في عمرِ الهدوءِ، عاركَ الحياةَ بمعولهِ المتهالكِ لقنتهُ دروساً لكنها لم تستطعْ كسرَ روحهِ ، رسمتْ على وجههِ ملامحة فارقةً ، كان مسكوناً بحلمِ التخلصِ من المدنِ المثقلةِ بالضجيجِ التي عاشَ فيها ، حاولَ أن يستبدلَ الورقةَ التي يعلقها بعض الناسِ في بيوتهم ومكاتبهم للفتِ الانتباهِ لأشياء أثمنَ منها عندما صعدَ إلى سلمِ المعرفةِ الذاتيةِ ، روحهُ الشغوفة بحبِ الآخرين وتفاصيلِ الحياةِ تعرضتْ على مدى سنواتٍ لاهتزازاتٍ كادتْ أن تجرفهُ إلى متاهاتِ الطرقِ المظلمةِ لكنهُ صمدَ أمام السيولِ الجارفةِ.
في أحدِ الأيامِ دعاهُ صديقهُ ياسر إلى مطعمٍ قديمٍ جداً يحملُ نكهةً خاصةً من خاصرةِ التاريخِ ، كان ياسر شاباً لامبالياً بكل شيءٍ مما جعلهُ محطَ انتقادٍ عنيفٍ من قبل جمال لكن رفقةَ العمرِ الطويلةِ كانت أقوى من تركهِ، جلسا أحضرَ ياسر كرسياً ثالثاً مما أثار استغرابَ جمال ،
ياسر : لماذا تنظرُ هكذا باستغرابٍ هدّئ من روعكَ لقد دعيتُ صديقتي إلى هنا وهي في الطريقِ قادمة.
جمال : من تكون هذه الصديقة!!
ياسر : تكتبُ مثلك ما يجولُ بخاطرها..
جمال: كيف تستطيعَ بناء مثل هكذا علاقات وأنت ليس لك أي اهتمامٍ بهذا الشأن..
ياسر: لا تكثر من الأسئلةِ هناك بعضُ الأشياء في الحياةِ لا يستطيعُ العقلُ الإجابةَ عليها وأنا من هذهِ الأشياء..
بعد أقلِ من نصف ساعة حضرتْ هدى صاحبةُ الشعرِ الأسودِ الطويلِ والبشرة التي أخذت من لونِ الصباحِ بعض معالمهِ وأما الكرزَ فقد سرقَ لونهُ من وجنتيها ، جلستْ على كرسيها ..
ياسر : جمال صديقي مسكونٌ بحبِ الكتابةِ ،تشرقُ الشمسُ من بين سطورهِ ولأن الواقعَ يمشي على رأسهِ لا على قدميهِ لم ينصفهُ أحدْ ..
هدى: أهلاً وسهلاً..
ياسر : هدى صديقتي لديها كتابات مثلكَ ، عملتْ سابقاً في مشفى خاص حاولَ أحد ذئابِ الزمنِ المنفلتِ أن ينهشَ جسدها مستغلاً فقرها وحاجتها إلا أنها بصقتْ في وجههِ وغادرتْ العمل ، تعرضتْ لغدرِ ذئبٍ آخر تحتَ اسمِ الحبِ لكنها لم تقعْ فريسةً له فحاولَ غرزَ سكينةٍ في ظهرها ..
جمال : يبدو أنكَ تعرفُ تفاصيلَ حياةِ هدى..
ياسر : لماذا نحن أصدقاء؟
بدأتْ هدى حديثها المختصرِ عن متاعبِ الحياةِ ونتاجها الأدبي وعملها الجديد كان شعرها يقطعُ صدى كلماتها المرتبكةِ ، كان جمال يراقبُ حديثها عن كثبٍ حتى حركاتِ يديها لم تسلمْ من هذه المراقبةِ.
قاطعَ جمال حديثها يبدو أننا أضَعنا كل شيءٍ في زحمةِ أسئلةِ الأمنياتِ التي لم نستطعْ الحصولَ على إجاباتٍ عليها..
هدى : هل عرضتَ هذهِ الأسئلة على شخصٍ يشبهكَ حتى تحصلَ على إجاباتٍ؟
جمال : لماذا شخصاً يشبهني؟
هدى : الأسئلةُ المستعصيةُ لا يجيبَ عليها سوى الأشخاص المتشابهون لأنها من نوعٍ خاصٍ؟
يبدو أنّ القدرَ تدخلَ ،مدّ يد العونِ و جمعَ بين روحين تائهتين ألقت بهما رياحُ الاختيارِ الخاطئِ في آبارِ اليأسِ ومن ثم سارتْ إليهما الصدفة بقدميها فأعادتّ ترتيب أيامهما حسبَ تقويمِ الأملِ،
فجمال يعتبرُ شخصاً مختلفاً في زمنٍ لم يعدْ لهؤلاء الأشخاصُ مكاناً فيه و هدى فيها من النقاء ما يكفي لكي تمنحها الحياة ابتسامتها للمرةِ الأولى ..
بعد انتهاءِ الجلسةِ التي مرتْ بسرعة ٍعلى الجميع ، نظرتْ هدى إلى جمال بطرف عينيها كأنها كانت تقول له لا تتأخرْ في طرحِ أسئلتكَ فإجاباتها لديّ…
جمال : فرصةُ سعيدةُ آنسه هدى صمتَ قليلاً نظرَ إليها بعين تحملُ في أحشائها براكينَ من الأسئلةِ حدثَ نفسه( كأن هذه الصدفةُ ستكونُ علامةً فارقةً في حياتي المتبقيةِ لكنْ إلى أين ستقودني..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى