حضور المرأة وقضاياها في مجموعة” ظل ليل ” للأديبة العزيزة الشمشام
السخيري إسماعيل | المغرب
تعد العزيزة الشمشام من الأديبات المغربيات اللائي دخلن بحر الكتابة والأدب في أواخر الألفية الجديدة، حيث صدر لها أول ديوان شعري عام 2015، بعنوان قمر الأعالي، ثم تلاه ديوانها الثاني بوح على أعتاب الشروق عام 2017، كما ساهمت في الحراك الشعري في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرت عدة قصائد في مجلات ورقية وإلكترونية، وارتبطت بشكل وثيق بالأنشطة الثقافية داخل تطوان وخارجها، وهي رئيسة نادي عبد القادر الشمشام الثقافي الذي ينشط بتطوان، دخلت ساحل السرد من بابه المعروف ألا وهو القصة، فكتبت أول مجموعة قصصية لها بعنوان ظل ليل، التي صدرت عام 2022، وتم توقيعها بمعرض الكتاب بتطوان، حيث تقع هذه المجموعة في خمسة وسبعين صفحة و قد اشتملت على ما مجموعة من القصص، تناولت من خلالها عدة مواضيع، ففي قصة لم تجعل لها عنونا تحدثت عن القضية الفلسطينية بسرد مشوق تمثلت في سردها لقصة شيخ يسكن في كوخ ويزوره خلسة أحد أبناء منطقته رغم صعوبة الأمر، بينما في قصة رسالة من امرأة تتحدث الكاتبة عن بوح سيدة شغفها حب رجل، فكتبت له عن عشقها له وعن أمنياتها لأنها تذوب في عينيه وتنهار أبراج ثقتها بنفسها أمامه، لتنتهي في الأخير وبعد خذلان الأمنيات بالتحدث عن أمنية واحدة تريدها وهي أن تحصل على غرفة تأويها وقطة تؤنسها، وتتحدث الكاتبة في قصة صيانة عن رجل ذهب لزيارة قبر والده فأصابه الذعر حينما لم يجد قبر والده، لكنه سرعان ما سيكتشف أن الأمر مجرد صيانة للقبر لا غير، وتتحدث في قصة غياب دفين عن رجل أرّقه حب امرأة سحرت أعينه بعنفوانها وجمالها وبدأ يحكي لصديقته التي استدرجته في الحديث عن قصته حينما جلسا في المقهى، حيث استرسل الرجل في البوح بجرحه دونما توقف، بينما تتحدث في قصة بغير انتظار عن قصة امرأة تزوجت رجلا ثم هاجر خارج الوطن بعدما وعدها بترتيب الأمور لتلتحق به خارج البلد، لكن غيابه طال وانتظارها أيضا، لتتفاجأ حينما وصلتها رسالة منه بحيث كانت تعتقد بأنها أوراق قانونية تخول لها الهجرة للالتحاق به لكنها ستصاب بالصدمة حينما ستعرف بأنها أوراق طلاق يأمرها زوجها بالتوقيع عليها لأنه مسجون في الغربة وربما سيطول سجنه، لم تمض لحظات حتى يتصل بها طبيبها الخاص يهنئها ويبارك لها حملها لتقع المرأة في حيرة بين من أمرها، وتتحدث في قصة أسطورة أيضا عن قصة صعود امرأة إلى قمة جبل عال وكيف بدأ الدليل يحكي لهم أن ذلك الجبل ترك عليه نوح بصمة يده، كان يسرد لهم هذه الأسطورة لكنها لم تصدقها أبدا لأن رغبتها في التنزه والاستجمام كانت تفوق رغبتها في معرفة الأساطير، بينما في قصة حكاية كأس تحكي القاصة عن امرأة ارتادت المقهى المفضل لديها ثم طلبت مشروب شاي منعنع، لكن النحل اجتمع حول الكأس ولم يتركها تتمتع بلذة احتسائه، ستحاول بعدها طلب كأس شاي آخر لتترك الأول للنحل والثاني لها، لكن النادل سيخبرها بأن النحل سيطمع في الكأس الثاني أيضا فلا مسوغ إذن لطلبه، ثم سيتطور الحديث بينهما لتنتفض في وجهه وتسدد الفاتورة ثم تغادر، تحكي القاصة أيضا في قصتها موت بأقدار عن قصة الوردة والشوكة، حيث ستسخر الوردة من الشوكة وتتأفف منها متسائلة عن جدوى وجودها، سيتطور الجدال بعدها بين الشوكة والوردة، فتتمنى الوردة موت الشوكة، لكن العكس سيحصل بعد أن خدشت الشوكة يد الأميرة فقررت الخادمة أن تقطف لها الوردة لتسكتها وتسليها فكان قدر الوردة الموت، تناولت القاصة أيضا في قصتها ضاعت بالطرب، قصة امرأة حجزت فندقا بباريس أمام برج إفيل وحاولت أن تكتب قصيدة عنه لكنها تساءلت لماذا لا أكتبها عن برج بيزا الإيطالي؟ أو برج العرب الإمارتي؟ وفي قصة غيثة أو أغاتا تتناول المبدعة قصة عيثة التي هاجرت إلى بلد إسبانيا وادعت الصمم و سكنت حيا شعبيا حتى تعلمت اللغة وأتقنتها لتقرر الهجرة من المدينة التي تعلمت فيها اللغة وتستمر في حياتها بشكل طبيعي، كان اسمها غيثة لكن الإسبان كانوا ينادونها بأغاتا، تناولت الكاتبة أيضا ظاهرة الفساد في قصتها صفعة وصفقة التي تتحدث عن تواطؤ شرطي مع لص لسرقة رجل يحمل معه مالا وفيرا بعدما باع ثورا سمينا، لكن حينما تمت الصفقة سيعلم الرجل بالأمر ثم سيصير بعدها مجنونا من جراء الصدمة، تناولت المبدعة عزيزة الشمشام أيضا في قصتها رياء، علاقة الصدقة بالرياء والتفاخر فتحكي قصة رجل تصدق بملابسه رياء فلم يقبلها منه رجل بئيس لأنه علم نيته ومقصده، وفي قصة اختيار مخطئ تناولت المبدعة قصة شابة فضلت الزواج من تاجر مخدرات وتركت حبيبها الذي كان مغرما بها حد الجنون، ثم كيف انقلبت الأحوال فدخل زوجها السجن وانطفأت ملامح جمالها في حين ازداد ثراء وجمال حبيبها الأول الذي خانته أيام حبهما بالقرية، أما في قصة موت تحكي القاصة عن أب يعمل في محل إصلاح الهواتف، ثم سيأتي عنده شاب ليصلح له هاتفه، لكنه تفاجأ حينما نقل المعطيات إلى حاسوبه بأن صاحب الهاتف تجمعه علاقة حميمية مع ابنته بدليل الصور، ستنهار مشاعر الأب، أما البنت فستضع حدا لحياتها لعلمها بالخبر، وفي قصة ما لا يخطر على البال تتناول الساردة قصة طالب عاطل قرر بيع السمك في الحي فتعرض للمنع، فقرر مغادرة المكان بعدما أخذت السلطة منه الميزان لكنه على بعد خطوات سيجتمع حوله الناس فيبيع كل شيء، لكن بدون ميزان بتقديره فقط، بعدها سيفتح الله عليه أبواب الخير ويصير غنيا، أما في قصتها كوة ملعونة فتتحدث عن سلوك الناس تجاه البيئة والجوار، وفي قصة حرية تحكي قصة مقاوم اسمه عبد الله ضحى بنفسه في حرب ضروس من أجل رفاقه ومن أجل الحرية في شمال المملكة المغربية، وفي قصة ميتان تتحدث عن وفاة أب اصطدم بسيارة أثناء عبور الشارع من أجل صلاة الفجر، لكن الغريب أن ساعته اليدوية أيضا ماتت بعد موته حيث توقفت عن العمل منذ لحظة الاصطدام ولم تعمل وفاء لذكراه، وفي قصة الحاج والكازينو تسرد القاصة سيرة حاج تحول إلى مريد للحانات بعد تعرفه على رجل خليجي أغناه، أما في قصة جسر وبحر فتحكي القاصة عن حوار شيق دار بين الجسر والبحر وبهذه القصة أنهت مجموعتها الشيقة، التي تناولت مختلف المواضيع التي زادت المجموعة القصصية غنا وجمالية، والملفت للنظر في هذه المجموعة أن المبدعة العزيزة الشمشام اهتمت بقضية المرأة وهمومها وتحدثت عن قصص متنوعة تسرد فيها معاناة المرأة المطلقة ومعاناة المرأة المهاجرة، أيضا تحدثت عن مكابدات المرأة العاشقة والمعشوقة، ثم مأساة المرأة المراهقة وكذا أحوال المرأة المبدعة أو العاشقة للأعالي، وهكذا فإن وعي الساردة شكل خيوطا ناظمة اجتمعت في الانكباب وتناول قضايا المرأة وشؤونها في المجتمع العربي، لكن هذا الأمر لم يصرفها عن تناول قضايا أخرى تحضر في المجتمع بشكل أو بآخر من بينها قضية الفساد والمقاومة والخيانة والوفاء أيضا.
أخيرا لا يسعنا بعد هذا الاطلاع والتنقيب النقديين إلا أن نشيد بهذه المجموعة القصصية الغنية بالدرر السردية، والتي احتوت على جل مميزات القصة الحديثة ووظفت في سردها مختلف التقنيات القصصية من استرجاع واستباق وتداع حر ووصف وحوار لأجل غرض واحد وهو تقطير كل التجارب التي مرت منها الكاتبة ووضعها في قالب قصصي يغري القارئ ويقدم له وجبة سردية بمختلف البهارات والأشكال، ومن ثم فإن العزيزة الشمشام رغم تجربتها القصصية الأولى، إلا أنها تمكنت من القبض على روح القص وجمالياته لذلك كان التفوق ظلها وحليفها في هذه المجموعة القصصية المتميزة.